للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

على الخلفاء والاستجابة لندبهم في هذه البعوث أو تلك أو في الفتوحات البرية أو في الفتوحات البحرية؟ ألم تكن الشام في السلم والحرب في معارك صفين أو في حركات العراق والحجاز في البعوث نحو إفريقيا أو نحو القسطنطينية هي مهاد هذا الملتقى الكبير الذي انصهرت فيه القبائل وامتدت أمة واحدة هنا نحو أقصى الشرق وهناك نحو أقصى الغرب

ألا يؤكد ذلك كله عندنا أن هذا التاريخ هو تاريخ للعالم الاسلامي كله من خلال هذه العدسة الضوئية الصغيرة المكبرة: دمشق

وهل كانت الشام بمعزل عن الحياة والمشاركة فيها في القرون التي ثلث قيام الدولة العباسية؟ ألم يدخلها علماء وخلفاء وقواد؟ ألم يرتحل منها فقهاء وشعراء وولاة وقضاة ورواه كان لهم في صياغه تاريخ العرب والمسلمين جميعا نصيب؟ إن تاريخ دمشق لابن عساكر يقدم للذين يدرسون التاريخ الاندلسي: فتوحاته وسياسته وإمارته وخلافته وإدارته وقيادته وعلومه وثقافته وأدبه وفكره مادة طيبة وخاصة في بداياته الاولى مما هو جدير بالتتبع له والافادة منه

وكان تاريخ ابن عساكر: يمتد في المكان امتداد بلاد الشام من أقصى شمالها الى أقصى جنوبها ثم يجاوز ذلك ليكون على امتداد الوطن الاسلامي والثقافة الاسلامية

ويمتد في الزمان ليسجل أطرافا من تاريخ الجاهلية ثم يكون تاريخا للسيرة النبوية والعصر الراشدي والخلافة الاموية ثم ما بعدها من الخلافة العباسية والدويلات حتى وفاة ابن عساكر في أواخر القرن السادس الهجري " ٥٧١ "

ويمتد عمقا في فهم التاريخ فلا تستوقفه الاحداث والوقائع وحدها وإنما يتناول روح التاريخ حين يقدم لنا المادة الاولية الغنية لرصد الحركة الحضارية: دينا وشريعة وثقافة وفكرا

كذلك كان وكذلك يجب أن نفهمه وأن ننظر إليه ومع أهميته هذا الكتاب فإن مؤلفه الحافظ أبا القاسم كان محدثا قبل أن يكون مؤرخا وقد غلب عليه الحديث حيث تعمق فيه معرفة متنا وسندا وطرقا حتى غدا إمام أهل الحديث في زمانه (١) لذلك فقد سلك في تاريخه هذا نهج المحدثين فهو يبدأ


(١) طبقات السبكي: ٧ / ٢١٥