ذكر أبو أحمد عبد الله بن بكر الطبراني نزيل الأكواخ «١» ببانياس قال:
أحمد بن جعفر الهلالي كان يقيم بالمحرس «٢» يعني محرس الحوارنة بعكا وقتا، وببلده وقتا.
وذكر أبو عبد الله القفاف قال: قال لي أحمد الهلالي:
أريد أمرّ مع الناس إلى البلد، والإلف يجترني فقلت: ماذا؟ الإلف؟! فقال: إلف «٣» الخلوة. وقال: إنما آوي في القرية في بيت داخل بيت. فإذا مللت خرجت في الغلس «٤» إلى المغار ورحت مع العتمة. فإذا كانت لي حاجة خارج الدار تسورت فيها من الحائط حتى لا يلقاني أحد في باب الدار ولا أمرّ في زقاق فيلقاني أحد. فهذا دأب نفسي في القرية.
قال أحمد الهلالي:
قدمت إلى هنا، يعني عكا وما أدري ما الهوى ثم علمته. قلت له: ما الهوى؟ فقال:
حب الكلام، وحب الجلوس مع الناس، وحب الشبع، وحب النوم، وحب اللباس «٥» .
قال أبو عبد الله:
ولم أر قط أشد تيقّظا وانتباها من أحمد الهلالي، وإذا كلّم إنسانا يكاد لا يسمعه، وإذا تنحنح كأنه مطلوب، ولم أسمع له قط صوتا مرتفعا.
قال: وقال لي أحمد الهلالي:
ربما جاءني الفكر فأستوحي منه، فإذا ذهب عني بلت ما يشبه الدم، ويخرج مني من أسفل شيء شديد الحرارة وتجري منخراي بمثل الدم.
وقال: لا يكاد يجيء الفكر في الضوء ونعم المعين عليه الخلوة في الظلام، فقلت له: