قال عون بن محمد الكندي «١» : عهدي بالكرخ ببغداد وإن رجلا لو قال: ابن أبي دؤاد مسلم قتل في مكانه، ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي ما كان مثله قط، فكلم ابن أبي دؤاد المعتصم في الناس وقال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء يفرّق فيهم يمسك أرماقهم، ويبنون به ما انهدم عليهم، ويصلحون به أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، فقال: يا أمير المؤمنين، إن فرّقها عليهم غيري خفت ألا تقسم بالسويّة، فائذن لي في تولّي أمرها ليكون الأجر أكبر والثناء أوفر «٢» . قال:
ذلك إليك، فقسمها على مقادير الناس، وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط، واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم. وغرم من ماله في ذلك غرما كبيرا، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها.
قال عون:
فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وإن إنسانا لو قال: زرّ ابن أبي دؤاد وسخ لقتل.
حدث علي بن الحسين الأسكافي قال «٣» :
اعتل أحمد بن أبي دؤاد فعاده المعتصم فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين، فدعا له بالعافية وقال له: إنّي نذرت إن عافاك الله أن أتصدّق بعشرة آلاف دينار فقال له: يا أمير المؤمنين، اجعلها لأهل الحرمين، فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتا «٤» ، فقال:
نويت أن أتصدّق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فقال له: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فإنك كما قال النّمريّ لأبيك الرشيد:
إنّ المكارم والمعروف أودية أحلّك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصما فليس بالصّلوات الخمس ينتفعفقيل للمعتصم في ذلك، لأنه عاده وليس يعود إخوته وأخلاء «٥» أهله، فقال المعتصم: