قال أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون «١» : كنت يوما في دهليز الدار التي كان أبو عبد الرحمن يسكنها في زقاق القناديل «٢» ، ومعي جماعة ننتظره لينزل ويمضي إلى الجامع ليقرأ علينا حديث الزهري، فقال بعض من حضر: ما أظنّ أبا عبد الرحمن إلّا يشرب النبيذ، للنضرة التي في وجهه والدم الظاهر مع السن، وقال آخرون: ليت شعرنا، ما يقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقلت: أنا أسأله عن الأمرين وأخبركم. فلما ركب مشيت إلى جانب حماره، وقلت له: تمارى بعض من حضر في مذهبك في النبيذ، فقال: مذهبي أنه حرام بحديث أم سلمة عن عائشة: «كل شراب أسكر فهو حرام»«٣» ، فلا يحلّ لأحد أن يشرب منه قليلا ولا كثيرا.
قلت: فما الصحيح من الحديث في إتيان النساء في أدبارهن؟ فقال: لا يصحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في إباحته ولا تحريمه شيء، ولكنّ محمد بن كعب القرظي حدث عن جدك «٤» ابن عباس: أسق حرثك من حيث شئت، فلا ينبغي لأحد أن يتجاوز قوله.
قال: وكان أبو عبد الرحمن يؤثر لباس البرود النوبية الخضر، ويقول: هذا عوض عن النظر إلى الخضرة من النبات فيما يراد لقوة البصر. وكان يكثر الجماع، مع صوم يوم وإفطار يوم، وكان له أربع زوجات يقسم لهن، ولا يخلو مع ذلك من جارية أو اثنتين، يشتري الواحدة بالمئة ونحوها، ويقسم لها كما يقسم للحرائر. وكان قوته في كل يوم رطل خبز جيد لا يأكل غيره، كان صائما أم مفطرا، وكان يكثر أكل الديوك الكبار، تشترى له وتسمّن ثم تذبح فيأكلها، ويذكر أنّ ذلك ينفعه في باب الجماع.
وسمعت قوما ينكرون عليه كتاب «الخصائص» لعلي رضي الله عنه وتركه لتصنيف فضائل أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يكن في ذلك الوقت صنّفها فحكيت له ما سمعت فقال: دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنف كتاب «الخصائص» رجاء أن يهديهم الله، ثم صنّف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها على الناس. وقيل