للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إنّي قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحوّل عنه رؤيا قد نسيتها هي عندي أعظم من الأولى فهل عندك علمها؟ قال: نعم. قال: إذا فاقصصها عليّ، قال دانيال: رأيت شجرة عظيمة أصلها ثابت وفرعها ذاهب في السماء، في فرعها طير السماء كلّه، وفي ظلّها وحوش الأرض وسباعها كلّها، فبينا أنت تنظر إليها، وقد أعجبك حسنها وعظمها وخضرتها، والذي جمع الله في فرعها من الطير، وفي ظلها من الوحوش؛ إذ أقبل ملك يحمل حديدا كأنه الفأس على عاتقه، وهو يؤمّ الشجرة؛ إذ ناداه ملك من فوقه من باب من أبواب السماء فقال له: ما أمرك ربك في هذه الشجرة؟ قال: أمرني أن لا أدع منها شيئا، فناداه الملك من فوقه: إنّ الله يأمرك أن لا تستأصلها من أصلها خذ بعضها وأبق بعضها، فنظرت إلى الملك قد ضرب رأسها بالفأس فانقطع منها بعض أغصانها، وتفرّق ما كان فيها من الطير، وما كان في ظلّها من السباع، وبقي الجذع متغيّرا قد تغيّر حسنه وخضرته لا هيئة له. قال بخت نصّر: هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال دانيال: أنت الشجرة، وما رأيت في رأسها من الطير فولدك وأهلك وحشمك، وما رأيت في ظلّها من السباع والوحوش فخولك وعبيدك ورعيّتك، كانوا في ظلّلك وملكك، وقد أغضبت الله فيمابايعت هؤلاء عليه من عمل هذا الصنم، فإنهم لن يأتوا بمثل الله أبدا، فذكر الله بك عند ما أراد من هلاكك فصفح عنك، ثم رأيت الملك وقد همّ أن يستأصل الشجرة من أصلها، فناداه الآخر من فوقه أن يأخذ منها ويبقي منها، وكذلك يصنع الله بك يأخذ منك ويبقي. قال بخت نصّر: وكيف يفعل بي؟ قال: يبتليك ببدنك، يعرّفك به قدرته، فلا يدع صورة مما خلق وأخرى فيها الروح إلّا مسخك فيها، فلبثت في ذلك البلاء سبع سنين، ولو شاء أن يجعل ذلك في أوشك من طرفة عين لفعل، ولكن ليطول عليك البلاء ويعرفك أنه ليس لك من دونه وال، ولا يملك لك أحد معه شيئا، ثم لا يحوّلك في صورة من تلك الصور إلّا كنت ملك ذلك الجنس وتعلوه وتقهره، فإذا انقضت السبع سنين رجعت إنسانا كما كنت أول مرة، فقال بخت نصّر: فهل يقبل ربك مني توبة أو فدية أو رجعة؟ فقال: لا، حتى يعرّفك قدرته وينفذ قضاءه فيك. قال: فلما قال هذا اعتزل ملكه وأهله ووكّل ابنه، وأمره أن يكون السائس دانيال، وأغلق عليه أبوابه وقعد يبكي على نفسه، فمكث في البكاء سبعة أيام، فلما غمّه البكاء ظهر فوق بيته يتروّح من غمّ ما هو فيه، فساعة ظهر أنبت الله له ريشا وزغبا، وجعل له مخاليب ومنقارا، فصار عقابا، ثم ذهب يطير فلا يقوم له طير في السماء إلّا قهره، وتحدّث به أصحاب النّسور الذين يصيدون الطير فقالوا: إنه حدث في السماء طير عظيم على صورة العقاب لا يقوم له شيء ولا يطيقه إنسان، ثم حوّله