كان الخليل بن أحمد صديقا لجعفر بن سليمان الهاشمي، فجاء يوما ليدخل إليه فوجد على بابه الشعراء قد أنشدوه، وقبل أشعارهم وما جهّز جوائزهم، فشكوا ذلك إليه وسألوه تذكاره، فدخل إليه وأنشده:
لا تقبلنّ الشّعر ثم تعقّه فتنام والشعراء غير نيام
واعلم بأنهم إذا لم ينصفوا حكموا لأنفسهم على الحكّام
وجناية الجاني، عليهم تنقضي وعقابهم يبقى على الأيام
وقد رويت هذه الأبيات لابن الرومي.
قال أبو خليفة «١» :
كان جعفر بن سليمان الهاشمي له بالبصرة كل يوم غلة ثمانين ألف درهم «٢» ، فبعث إلى علماء أهل البصرة يستشيرهم في امرأة يتزوجها، فأجمعوا على رابعة العدوية «٣» فكتب إليها:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن الذي هو ملكي من غلة الدنيا في كل يوم ثمانون ألف درهم، وليس يمضي إلا القليل حتى أتمها مئة ألف إن سألته. وأنا أخطبك نفسك، وقد بذلت لك من الصداق مئة ألف. وأنا مصير إليك من بعده أمثالها فأجيبي «٤» .
فكتبت إليه: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإن الزهد في الدنيا راحة القلب والبدن، والرغبة فيها يورث الهمّ والحزن، فإذا أتاك كتابي فهيىء زادك، وقدم لمعادك، وكن وصي نفسك، ولا تجعل وصيك غيرك «٥» ، وصم دهرك، واجعل الموت فطورك، فما يسرني أن الله عز وجل خولني أضعاف ما خولك، فيشغلني بك عنه طرفة عين والسلام.