وقال جعفر بن يحيى البرمكي لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين، قال لي أبي يحيى «١» :
إذا أقبلت الدنيا عليك فأعط، فإنها لا تفنى «٢» ، وإذا أدبرت عنك فأعط، فإنها لا تبقى.
قال جعفر: وأنشدنا أبي «٣» :
لا تبخلنّ بدنيا وهي مقبلة فليس ينقصها التبذير والسرف
فإن تولّت فأحرى أن تجود بها فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف
ولما «٤» ثارت العصبية بالشام في سنة ثمانين ومئة وتفاقم أمرها اغتم الرشيد فعقد لجعفر ابن يحيى على الشام، وقال له: إما أن تخرج أو أخرج أنا، فقال له جعفر: بل أقبل «٥» بنفسي، فشخص في جلّة القواد والكراع والسلاح، فأتاهم فأصلح بينهم، وقتل زواقيلهم «٦» والمتلصصة منهم، ولم يدع بها رمحا ولا قوسا «٧» ، فعادوا إلى الأمن والطمأنينة، وأطفأ النّائرة «٨» .
[فقال «٩» منصور النمري لما شخص جعفر:
لقد أوقدت بالشام نيران فتنة فهذا أوان الشام تخمد نارها
إذا جاش موج البحر من آل برمك عليها، خبت شهبانها وشرارها
رماها أمير المؤمنين لجعفر وفيه تلاقى صدعها وانجبارها