جارية سوداء فأحبلها، فلما تبين حملها وخاف امرأته، فأنكر ذلك في العلانية وأقرّ به في السّرّ، وسماه ثعلبة، وأشهد امرأته الحارثية وأخا له أن ثعلبة ابنه. فلما مات صدّاد أخبرت السوداء ابنها أنه من صدّاد، فخرج الغلام حتى أتى ملكا من ملوك اليمن، فذكر له أمره وأتاه بعمه وامرأة أبيه فشهدا، فقالت الكندية: إنما شهدا للعداوة، فبعث الملك إلى سطيح الكاهن وخبأ له دينارا بين قدمه ونعله، فلما دخل إليه قال له: إني قد خبأت لك شيئا فأخبرني به.
فقال سطيح: أحلف بالبلد الحرام والحجر الأصمّ، والليل إذا أظلم، والنهار إذا تبسم، وبكل فصيح وأعجم، لقد خبأت دينارا بين نعل وقدم، قال: فأخبرني مع من هو؟ قال: أحلف بالشهر الحرام، وبالله محيي العظام، وبما خلق من النسام إنه لتحت قدم الملك الهمام؛ قال:
فأخبرني لما أرسلت إليك، قال أرسلت إليّ تسألني عن ابن السوداء، ومن أبوه من الآباء، وقد برح الخفاء، وهو أول من قاله، وأبوه صدّاد ابن أسماء لا شك فيه ولا من مراء فألحقه بأبيه وورّثه. قال الملك: يا سطيح ألا تخبرني عن علمك هذا؟ قال: إن علمي ليس مني، ولا بجزم ولا تظني، ولكن أخذته من أخ لي جني، قد سمع الوحي بطور سنيّ. قال الملك:
أرأيت أخاك هذا الجني أهو معك لا يفارقك؟ قال: إنه ليزول حيث أزول، فلا أنطق إلا بما يقول، قال له الملك: فهل من خبر بما يكون تخبرنا به؟ قال: نعم، عندي خبر ظريف «١» ، شهركم هذا خريف، والقمر فيه كسيف، ويأتي غدا سحاب كثيف، فميلأ البر والريف، فكان كما قال.
قال المعافى «٢» : أخبار سطيح كثيرة، وقد جمعها غير واحد من أهل العلم، وكذلك أخبار غيره من الكهان، والمشهور من أمر سطيح أنه كان كاهنا، وقد أخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن نعته ومبعثه بأخبار كثيرة، وروي أنه عاش سبعمائة سنة، وأدرك الإسلام فلم يسلم، وروي أنه هلك عندما ولد النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بذلك ابن أخته عبد المسيح بن حيان بن بقيلة «٣» وقد أوفده إليه كسرى أنو شروان لارتياعه من أمور ظهرت عند مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يسأل خاله سطيحا عنها، ويستعلم منه تأويلها، وذكر عبد المسيح أنه أنبأه بذلك، ونعى إليه نفسه ثم قضى مكانه.