فأيّما أشرف، أنت أم من شرفت به؟ قال: إن الذي شرفت به زادني شرفا. قال: وعلت أصواتهما، فقال ابن أخ لعبد الله بن الزبير: يابن عباس، دعنا من قولك، فو الله لا تحبونا يا بني هاشم أبدا. قال: فخفقه عبد الله بن الزبير بالنعل وقال: أتتكلم وأنا حاضر؟! فقال له ابن عباس: لم ضربت الغلام وما استحق الضرب؟! وإنما يستحق الضرب من مرق ومذق «١» . قال: يابن عباس، أما تريد أن تعفو عن كلمة واحدة قال: إنما نعفو عمن أقر، فأما من هرّ فلا. قال: فقال ابن الزبير: فأين الفضل؟ قال ابن عباس: عندنا- أهل البيت- لا نضعه في غير موضعه فنذمّ، ولا نزويه عن أهله فنظلم. قال: أولست منهم؟ قال: بلى إن نبذت الحد، ولزمت الجدد «٢» . قال: واعترض بينهما رجال من قريش فأسكتوهما.
وعن ابن عباس قال: لو أن العلماء أخذوا العلم بحقه لأحبهم الله عز وجل والملائكة والصالحون من عباده، ولهابهم الناس، لفضل العلم وشرفه.
قال جندب لابن عباس «٣» : أوصني بوصية، قال: أوصيك بتوحيد الله، والعمل له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. فإن كل خير أنت آتيه بعد هذه الخصال منك مقبول وإلى الله مرفوع. يا جندب، إنك لمن تزداد «٤» من يومك إلا قربا، فصلّ صلاة مودّع، وأصبح في الدنيا كأنك غريب مسافر، فإنك من أهل القبور، وابك على ذنبك، وتب من خطيئتك، ولتكن الدنيا أهون عليك من شسع نعليك، وكأن قد فارقتها، وصرت إلى عدل الله، ولن تنتفع بما خلّفت، ولن ينفعك إلا عملك. قال ابن بريدة «٥» : رأيت ابن عباس آخذا بلسانه وهو يقول: ويحك، قل خيرا تغنم، أو اسكت «٦» عن شرّ تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم. قال: فقيل له: يابن عباس، لم تقول هذا؟!