حدث محمد أمير البصرة قال «١» : كنت أحد من مرّض الواثق، لما مات «٢» ، فكنت واقفا بين يديه مع جماعة إذ لحقته غشية، فما شككنا أنه مات فقال بعضنا لبعض: تقدموا، فاعرفوا خبره، فما جسر أحد منهم يتقدم، فتقدمت أنا. فلما صرت عند رأسه، وأردت أن أضع يدي على أنفه أختبر «٣» نفسه لحقته إفاقة، ففتح عينيه، فكدت أن أموت فزعا من أن يراني مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي، فرجعت إلى خلف، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس، وعثرت به، فاتكأت عليه، فاندق سيفي، وكاد أن يدخل في لحمي ويجرحني، فسلمت وخرجت: فاستدعيت سيفا ومنطقة فلبستها «٤» ، وجئت [حتى]«٥» وقفت في مرتبتي ساعة. فتلف الواثق بلا شك، فتقدمت، فشددت لحييه، وغمّضته، وسجّيته، ووجهته إلى القبلة، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن، لأن جميعه مثبت عليهم، وترك وحده في البيت، وقال لي ابن أبي دواد القاضي: إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت، فكن أنت ذلك الرجل، وكنت من أخصهم به [في حياته]«٦» لأنه أحبني حتى لقبني الواثقي، باسمه، فحزنت عليه، فرددت باب المجلس، وجلست في الصحن عند الباب أحفظه. وكان المجلس في بستان عظيم، فحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني، فدخلت أنظر ما هي؟ فإذا بجرذون «٧» من دواب البستان قد جاء حتى استلّ عين الواثق فأكلها، فقلت: لا إله إلا الله، هذه العين التي فتحها من ساعة- فاندق سيفي هيبة لها- صارت طعمة لدابة ضعيفة، وجاؤوا فغسلوه، فسألني ابن أبي دواد عن عينه فأخبرته.
وكان الواثق أبيض إلى الصفرة، جسيما، حسن الوجه، جميلا، في عينه نكتة بياض «٨» .