من الكتب. ثم انتقل إلى بغداد محدّثا فقيها، وسكنها إلى أن توفي بها. وكان ورعا، زاهدا، عاملا بعلمه، متنسكا، بكاء عند الذكر، خاشعا، صدوقا، متبركا به، مشتغلا بنفسه، مقبلا على العبادة ونشر العلم. مولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة بزنجان.
سمع منه أبو القاسم مكي بن عبد السّلام المقدمي الحافظ، وأبو محمّد عبد الله بن أحمد بن عمر بن السمرقندي، روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي ومولده سنة خمس وسبعين وثلاثمائة بزنجان.
وذكر أبو زكريا يحيى بن عبد الوهّاب بن منده أنه قدم أصبهان سنة ٤٢٨ وسمع منه جماعة كبيرة.
قال أبو سعد: أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي:
قال أبو القاسم التفكّري: سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الزّنجاني يقول: كان هارون الرشيد بعث إلى مالك بن أنس يستحضره ليسمع منه ابناه الأمين والمأمون، فأبى عليه، وقال: إن العلم يؤتى، لا يأتي. فبعث إليه ثانيا، فقال: أبعثهما إليك يسمعان مع أصحابك، فقال مالك: بشريطة أنهما لا يتخطيان رقاب الناس، ويجلسان حيث ينتهي بهما المجلس. فحضراه بهذا الشرط.
وكان يحيى بن يحيى النيسابوري يحضر المجلس، فانكسر يوما قلمه، وبجنبه المأمون، فناوله قلما من ذهب، أو قلما من فضة، من مقلمة ذهب، فامتنع من قبوله، فقال له المأمون: ما اسمك؟ قال: يحيى بن يحيى النيسابوري، فقال: تعرفني؟ قال: نعم، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين. فكتب المأمون على ظهر جزئه: ناولت يحيى بن يحيى النّيسابوري قلما في مجلس مالك فلم يقبله.
فلما أفضت الخلافة إلى المأمون بعث إلى عامله بنيسابور، وأمره أن يولي يحيى بن يحيى القضاء. فبعث إليه يستدعيه، فقال بعض الناس: إنه يمتنع من الحضور وليته يأذن للرسول فأنفذ إليه كتاب المأمون، فقرىء عليه، فامتنع من القضاء. فردّ إليه ثانيا وقال: إن أمير المؤمنين يأمرك بشيء، وأنت من رعيته، فتأبى عليه؟! فقال: قل لأمير المؤمنين: ناولتني قلما وأنا شاب، فلم أقبله، فتجبرني الآن على القضاء وأنا شيخ! فرفع الخبر إلى المأمون بذلك فقال: علمت امتناعه، ولكن، ولّ القضاء رجلا يختاره. فبعث إليه العامل في ذلك فاختار رجلا من نيسابور، فولي القضاء.