وكان ليلة الختم في شهر رمضان يخطب خاطب في حلقته بالمسجد الجامع، ويدعو بدعاء الختم، وعنده الشيخ أبو الحسن علي بن المسلم «١» ، فرماهم بعض من كان خارج الحلقة بحجر، فلم يعرف من هو لكثرة من حضر، فقال الفندلاوي: اللهم اقطع يده. فما مضى إلّا يسير حتى أخذ خضير الركابي من حلقة الحنابلة، ووجد في صندوقه مفاتيح كثيرة قد أعدها لفتح الأبواب للتلصص «٢» ، فأمر شمس الملوك «٣» بقطع يديه، ومات من ذلك «٤» .
قتل الفندلاوي- رحمه الله- يوم السبت السادس من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة بالنّيرب «٥» تحت الرّبوة. وكان قد خرج مجاهدا للفرنج- خذلهم الله- وفي هذا اليوم نزلوا على دمشق حماها الله «٦» ، ورحلوا بكرة يوم الأربعاء الذي يليه بعد أربعة أيام من نزولهم، وكان نزولهم بأرض قينية»
، وكان رحيلهم لقلة العلوفة، والحذر من العساكر المتواصلة لنجدة أهل دمشق من الموصل وحلب- ودفن تحت الرّبوة على الطريق، ثم نقل إلى مقبرة الباب الصغير، فدفن بها، وكان خروجه إليهم راجلا.
فبلغني أن الأمير أمر «٨» المتولي لقتالهم ذلك اليوم لقيه قبل أن يتلاقوا وقد لحقه مشقة من المشي، فقال له: أيها الشيخ الإمام، ارجع، فأنت معذور للشيخوخة، فقال: لا أرجع، بعنا واشترى منا، يريد قول الله عزّ وجل إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ][سورة التوبة، الآية: ١١١] فما انسلخ النهار عنه حتى حصل له ما تمنى من بلوغ الشهادة التي توصله إلى ما يرجو من السعادة. قال أحمد بن محمّد القيرواني: