خرجت إلى الشام في خلافة هشام ومعي جاريتي عاتكة، وقد كنت علمتها وحذقتها، وأنا أقدّر منها ما أستغني به. فلما قربنا من دمشق نزلت القافلة على غدير، ونزلت ناحية منهم، فأقبل فتى حسن الوجه والهيئة، على فرس أشقر، ومعه خادمان، وعليه ثياب وشي مذهبة، ما أدري أوجهه أحسن أم ثيابه، فسلّم عليّ وقال: أتقبل ضيفا؟ فقمت، فأخذت بركابه، وقد علمت أنّه من أهل بيت الخلافة، ودخلني له هيبة وإجلال، وقلت: انزل سيدي، فنزل. فذكر أنه سقاه، وغنّاه وغنته الجارية حتى ظلمة «١» العشاء الآخرة، فقال: ما أقدمك بهذه الجارية؟ قلت: أردت بيعها، قال: كم قدّرت منها؟ قلت: رجوت فيها قضاء ديني، وصلاح حالي. قال: قد أخذتها بخمسين ألف درهم، ولك بعد ذلك جائزة وكسوة ونفقة طريقك، وإن أشركك في حالي أبدا ما بقيت. قلت: قد بعتكها، قال: قد قبلت، أفتثق بي أن أحمل إليك ذلك غدا وأحملها معي، أو تكون عندك؟ قلت: قد وثقت بك، فخذها، بارك الله لك فيها. فقال لأحد خادميه: احملها على دابتك، وارتدف وراءها، واحملها معك، ففعل، وركب فرسه، وودّعني. فما هو إلّا أن غاب عني حتى عرفت موضع خطئي «٢» ، وقلت: ماذا صنعت بنفسي؟ رجل لا أعرفه، ولا أدري من هو- وهبني عرفته- من أين أصل إليه؟! وجلست مفكّرا، ثم قلت: الجارية برّة بي، لن تتركه أو تقضي حقّي. فلم أزل ليلتي أتململ حتى أصبحت، فصلّيت، وجلست في موضعي. ودخل أصحابي دمشق، وصهرتني «٣» الشمس، وقلت: إن دخلت لم يعرف موضعي. فأقمت، وأنفذت رحلي مع بعض أهل المدينة، وجلست في ظل جدار هناك. فلمّا أضحى النهار إذا أنا بأحد «٤» الخادمين قد أقبل إليّ، فما أذكر أني فرحت مثل فرحي بالنظر إليه، فقال لي: أنا منذ غدوة أدور عليك في رفقتك. فقبل أن أسأله عن شيء قلت: من صاحبي؟ قال: وليّ العهد الوليد بن يزيد.
فسكنت نفسي. ثم قال: قم فاركب، وإذا معه دابة، فركبت، ودخلت إلى داره، فقال: من تكون؟ قلت: يونس الكاتب، قال: مرحبا بك، أما ندمت على ما كان منك البارحة؟ قلت: