[التضحية في سبيل الله]
البراء بن مالك يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك
).
البراء بن مالك رجلٌ قد باع نفسه لله، رجلٌ بطلٌ شجاع، حتى قال عمر بن الخطاب يخاطب قادة الجيوش: لا تستعملوا البراء على جيش، أي: لا تجعلوه يقود جيشاً، فإنه مهلكة من المهالك، رجلٌ من شجاعته ربما يهلك الجيش كله، في حروب الردة لما قاتل المسلمون مسيلمة وإذا به يتحصن بحصنٍ حصين، لم يستطع أحدٌ من الصحابة اقتحامه، تعلمون ماذا قال البراء؟ قال لأصحابه: احملوني على ترس على أسنة الرماح وألقوني في الحديقة، قالوا: ماذا تقول؟ عملية استشهادية، احتمال النجاة منها (١%) فإذا بهم يرفعونه ويرمونه داخل الحصن، ويدخل الحصن، فيفاجئ المرتدين، فيقاتل هذا، ويدفع هذا، ويرد هذا، هذا يطعنه، وهذا يضربه، حتى يصل إلى الباب، فيفتح باب الحديقة فإذا بالحصن يُفتح، وإذا بالصحابة يقتحمون، وإذا بالمؤمنين ينتصرون، أين الرجال أمثال البراء؟ أين الشجعان أمثال البراء؟! أين المجاهدون المضحون؟ ما الذي يمنعهم؟ إنها الدنيا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:٣٨] اترك الدنيا، تفكيرك بالأولاد، بالزوجات، بالوظائف، بالأموال، بالتجارات؛ يمنعك عن الجهاد في سبيل الله.
جعفر كأنه في الجنة قبل الموت، فلما تكسرت الرماح عليه قال:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها
والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
ثم استلم الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل وهو يخاطب نفسه يقول:
أقسمت يا نفس لتنزلنه لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه ما لي أراك تكرهين الجنه
...
يا أمتي وجب الكفاح فدعي التشدق والصياح
لغة الكلام تعطلت إلا التكلم بالرماح
إنا نتوق لألسن بكمٍ على أيدٍ فصاح
لا بد من صنع الرجال ومثله صنع السلاح
لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح
لا يستوي في منطق الـ إيمان سكرانٌ وصاح
من همه التقوى وآ خر همه كأسٌ وراح
شعبٌ بغير عقيدة ورقٌ تذريه الرياح
من خان حي على الفلاح يخون حي على الكفاح
نعيم بن مالك وما أدراك ما نعيم بن مالك؟ يقول يوم أحد: يا نبي الله لا تحرمنا الجنة، فو الذي نفسي بيده لأدخلنها، فتعجب النبي وقال: بم ذاك يا نعيم قال: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقت يا نعيم) فقاتل حتى قتل: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الحديد:١٩] الشهداء ليسوا في الأرض، الشهداء عند الله عز وجل {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد:١٩].