للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصص في العدل والإنصاف]

اسمع يا عبد الله إلى هذه الأخبار والقصص التي ملئت بها صفحات تاريخنا الإسلامي من العدل والإنصاف، والتي إذا أردت أن تبحث عنها في هذا الزمن، فإنك تسمع عنها نادراً، وتبحث عنها فلا تكاد تجدها.

اسمع -يا عبد الله- إلى عبد الرحمن بن شماتة؛ وهو تابعي ثقة، جاء إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها يسألها عن بعض أمور الدين، فقالت له بعد أن أجابته وهي الفقيهة العالمة: من أين أنت؟ قال: من مصر، قالت: ما فعل صاحبكم؟ أي: أميركم وواليكم، قال: أما إنه إذا كان معنا في غزوة أو سرية فمات لأحدنا بعير أعطاه بعيراً، وإذا مات له عبد أعطاه عبداً، وإذا نقصت أحدنا نفقته أعطاه نفقة، فقالت عائشة: أما إنه لا يمنعني ما فعل في أخي محمد بن أبي بكر أتعرف ما فعل؟ كان هو السبب في قتله، انظروا إلى الخصومة! رجل كان هو السبب في قتل أخيك، هل تنصفه؟ هل تعدل معه؟ هل تذكر محاسنه؟ قالت: أما إنه لا يمنعني ما فعل في أخي محمد بن أبي بكر أن أقول فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه) أي: كأنها تقول: صدق فيه دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فارفق به؛ لأنه كان رفيقاً بقومه، وبجنده.

أي عدل وأي إنصاف وقسط أعظم من هذا؟!! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨] ثم تجد سفيهاً من الناس، أو جاهلاً من بينهم، أو متعصباً لبعض الأقوال، فيعرض عليه محاسن الناس وفضائلهم وجهادهم، وهم إخوانه من أهل السنة، فيقول: والله لا خير فيهم، سبحان الله! انظر إلى الظلم، أو يقول لك: هم والله شر من اليهود والنصارى هل هذا من العدل يا عباد الله؟! {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا} [الأنعام:١٥].

والله إن بعض الظلم يخرج من أفواه بعض الناس، ولو مزج بماء البحر لعكر ماءه ولأفسده، ولكنك تتعجب أن يخرج الظلم من أناس يدعون العلم والدعوة والعدل بين الناس.

انظر يا عبد الله! إلى ابن عباس كيف اختلف مع عائشة على أمر عظيم، ولكنه صاحب عدل وإنصاف، جاءه رجل -وهو حبر الأمة- يسأله عن وتر رسول الله، فالرجل يسأل عن مسألة فقهية، وهو أحرى أن يجيبه، وبينه وبين عائشة خصومة وخلاف في الرأي، فقال له: أسألك عن وتر رسول الله؟ فقال ابن عباس لهذا الرجل: ألا أخبرك عن أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

قال: عائشة رضي الله عنها، (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

من أسباب الظلم يا عبد الله: ما يكون في النفس من الحقد والحسد، ثم ما يكون في العقل من التعصب لبعض الآراء ولبعض الناس، ثم ما يكون بالتصرف من عدم التثبت وعدم التأني والاستعجال في الأحكام.

عبد الله: كن متنبهاً ومتيقظاً، واعلم أنه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨].

أقول هذا القول وأستغفر الله.