نام إبراهيم عليه السلام ليلة من الليالي فإذا به يرى في المنام أمراً مفزعاً ما الأمر الذي رآه إبراهيم؟! وتخيل ذلك الموقف! يرى إبراهيم في المنام أنه يحمل سكيناً، ويأتي إلى ابنه إسماعيل فيذبحه بهذا السكين إنا لله وإنا إليه راجعون! ورؤيا الأنبياء وحي من الرحمن جلَّ وعلا فإذا بإبراهيم يقوم فزعاً، ولكنه كان مستسلماً لأمر الله جلَّ وعلا، فإنه وحي من الله: يا إبراهيم! اذبح ابنك الذي ظالما انتظرته، ولطالما اشتقت إليه وتعلق قلبك به! لم يقل الله: أرسله للجهاد ليموت، ولم يخبره الله أنه سوف يموت بمرض أو بقتل قاتل، لا.
بل قال: يا إبراهيم! احمل سكيناً واذبح ابنك بيديك! ماذا تظنه سيفعل؟ هل سيسلِّم أمره لله جل وعلا؟ إنه أمر من الله عز وجل.
قال سبحانه:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ}[الصافات:١٠٢] انظر إلى الأسلوب! الأب يكلم ابنه ويقول: يا بني! وقد كان صغيراً في السن {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ}[الصافات:١٠٢] ورؤيا الأنبياء حق ووحي من الرحمن جل وعلا.
ماذا ترى يا أبي؟ {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات:١٠٢] يا أبي! ماذا تقول؟ فيقول: أمرني الله في المنام أن أضجعك على الأرض وأحمل سكيناً فأنحرك بيدي.
الأمر صعب -يا أخي- وقد تقول: إنه لابد من الاستسلام لله جل وعلا، ولكن لو وقع عليك الأمر فهل تستسلم؟
قال سبحانه:{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى}[الصافات:١٠٢] فكر وابحث في الأمر شاور نفسك اجلس بينك وبين نفسك لكن إسماعيل عليه السلام كان باراً بأبيه، ومسلماً لله جل وعلا، فقد سلَّم أمره لله تبارك وتعالى، وانظر إلى الأدب وإلى الاستسلام لله جل وعلا! {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات:١٠٢] انظر إلى الأسلوب! قال: يا أبت! يذكره بالأبوة، أنت أبي وأنا ابنك، ومهما فعلت فأنت أبي، ثم يقول له: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، إنني ابنك وأنت أبي، لكنها طاعة الرب جلَّ وعلا، والاستسلام له سبحانه وتعالى.
{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ}[الصافات:١٠٢] يأمر الله تعالى بذبحه وعلى يد أبيه، وهو يقول: إن شاء الله انظر إلى الأدب مع الله عز وجل، وانظر إلى الاستسلام الكامل لله تبارك وتعالى، يقول: سوف أصبر، لكن ليس بحولي ولا بقوتي ولا بشجاعتي، فالقضية ليست شجاعة، ولا قوة، وليست جرأة؛ إن القضية إيمان بالله جلَّ وعلا، وتوكل على الرحمن تبارك وتعالى {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:١٠٢] وبعض الناس -للأسف- لا يصبر على أموال يتركها، أو على وظيفة يدعها لله جل وعلا، ولا يتحمل ألماً لأولاده أو بكاءً لصبيانه عندما يخرج التلفاز من البيت، أو يمنع ذلك الدش أو البث المباشر عنهم، يقول: لا أصبر على بكائهم وحنينهم، ولا أصبر على طلباتهم؛ فيأتي بالتلفاز بيده إلى البيت، أو يأتي بذلك الستلايت (البث المباشر) ليضعه في البيت فيدمر أخلاق أهله وأولاده يقول: لا أصبر، وهذا إسماعيل الصغير يقول:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات:١٠٢].
وهل كان هذا ادعاء؟ وهل كانت فقط كلمات وألفاظ يتلفظ بها إسماعيل وأبوه؟ لا.
قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَسْلَمَا}[الصافات:١٠٣] لا تقل: إنني مسلِّم، ثم لا تستسلم لله جل وعلا، فلما أسلما، أي: سلَّما أمرهما لله جل وعلا جاء إبراهيم بابنه إسماعيل وكان شاباً صغيراً يعمل مع والده، فحمله ووضعه على جنبه على الأرض وأكبه على وجهه، وجاء بالسكين لينفذ أمر الله جل وعلا، وهو مستسلم لله تبارك وتعالى انظروا الإسلام! انظروا الصبر على طاعة الله! وجعل وجهه في مقابله حتى لا يراه؛ لأنه لا يتحمل هذا المنظر، ولكن حباً لله جل وعلا، ورضىً بأوامر الله تبارك وتعالى فجاء بالسكين ووضعها على نحر إسماعيل عليه السلام:{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}[الصافات:١٠٣] تله أي: وضعه وأكبه على وجهه، ووضع السكين على رقبته وكاد أن ينحره.