[أفنجعل المسلمين كالمجرمين]
أتظن -يا عبد الله- أن الله يساوي بين من يستمع للقرآن، ويحفظ القرآن، ويتلذذ بالقرآن، وبين من يستمع إلى الموسيقى والغناء، ويحفظ الغناء، ويتلذذ بالغناء: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:٣٥].
أتظن -يا عبد الله- أن الله يساوي بين من يقوم في الصباح الباكر إلى بيت الله ليصلي ركعتين لله جل وعلا، وبين من يقوم على الغناء وعلى الطرب، ويقوم لعمله بغير صلاة، يقوم لتجارته بغير صلاة، لا يصلي الفجر في جماعة، ولا يصلي الظهر في جماعة، ولا يعرف ذكر الله، أتظن أن الله يساوي بين هذا وهذا؟!
أتظن أن الله يساوي بين من ينفق أمواله في الربا، وبين من ينفق أمواله في الصدقات؟! لا يا عبد الله! لا يساوي الله عز وجل بين هذا وهذا {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:٢٨].
أبداً لا يستوون في حكم الله الذي يفتح محلاته التجارية، ومعارضه، وتجارته في الحرام؛ ليفسد في بلاد الله، وليهلك الحرث والنسل، أيجعله الله كمن يهدي الناس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله جل وعلا، ويقتصر في أمواله على الحلال أتظن أن الله يساوي بين هذا وهذا؟!
كان هناك أربعة نفر سافروا إلى بلادٍ لعمل الفواحش، فإذا بهم في منتصف الليل يدخلون مرقصاً من المراقص، يرقصون مع النساء ويشربون الخمور، ثم في أثناء شربهم ولهوهم ورقصهم في منتصف الليل، والرب قد نزل إلى السماء الدنيا، إذا بأحد الأربعة يسقط على الأرض مغشياً عليه، فجاء الثلاثة إليه ينادونه: يا فلان! يا فلان! فإذا به يحتضر، فقال أحد الثلاثة لهذا الرجل: يا فلان! قل: لا إله إلا الله.
أتعلم -يا عبد الله- بم أجاب؟ لقد قال: زدني كأس الخمرة وتعالي يا فلانة، قل: لا إله إلا الله، قال: زدني كأس الخمرة وتعالي يا فلانة.
ثم فارق الدنيا على هذه الحال، ثم يبعث عند الله وهو على هذه الحال، وهو يقول: زدني كأس الخمرة وتعالي يا فلانة {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥].
عبد الله: هناك الفوز الحقيقي، وهناك النجاة الحقيقية، لا تنظر إلى الناس في الدنيا غنيٌ وفقير، كبيرٌ وصغير، عظيمٌ وحقير، فهم في حكم الله سواء، وبادر بالأعمال الصالحات، وإنما العبرة بالخواتيم، فهلا استعد كلٌ منا لتلك اللحظات، وانتبه لها، وتاب إلى الله جل وعلا؟!
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.