[التوبة التوبة! قبل حلول الأجل]
عبد الله! أطلب منك في هذه الكلمات ألا تؤجِّل، أو تسوِّف، فإذا ضعف الإيمان فقِسْ نفسك، وراجعها مع كلام الله جل وعلا اقرأ القرآن تدبر يا عبد الله! {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:٦] تدبر يا عبد الله ولو صغار السور ألا تتدبر قوله جل وعلا: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:٩ - ١١].
عبد الله! ارجع في هذه الليلة إلى البيت؛ إن كنت تملك أشرطة أو بعض الصور أو بعض الأفلام، فاحرقها ومزقها وقطعها لله جل وعلا، وقل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤] عجلت إليك يا رب! رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
عبد الله! أتعلم أنك لو تصلي ركعتين فتحسن فيهما ولا تحدث بهما نفسك، وتعلنها في الركعتين توبة صادقة لله، فإنك لا تنتهي من الركعتين إلا وقد بدل الله سيئاتك حسنات.
عبد الله! هذا رجل كبير في السن يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على عصا، حاجباه قد سقطا على عيناه من كبر سنه، فيقول: (أي محمد أي محمد أي محمد! فيُدَل على رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فيقول: ما تريد؟ قال: إن لي ذنوباً وخطايا لو وزعت على أهل الأرض لأهْلَكَتْهم) ذنوبي لو يتقاسمها كل أهل الأرض لأهلكتهم، تخيل ماذا فعل؟ وماذا أحدث هذا في دنياه؟ كل هذا العمر المديد كل هذه الذنوب والمعاصي والشرك والكفر- فيقول: (هل لي من توبة؟ فيقول له عليه الصلاة والسلام: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله! قال: إذاً تعمل الخيرات، وتترك السيئات -تبدأ الآن تصلح، {وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:٧٠]- يبدلها الله لك حسنات -لكن الرجل لم يصدق- قال: وغَدَراتي وفَجَراتي؟ -يعني: ذنوبي كثيرة- قال: يبدلها الله لك حسنات، ثم تولى الرجل وهو يقول: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر!) {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} [الفرقان:٦٨] ما هي اللذة؟ يقف ساعة فقط؛ لكن انظر للإثم: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الفرقان:٦٩] ضيق الدنيا، وضنك في الدنيا، ووحشة وحسرة وألم في الدنيا، ثم ضيق في القبر، ثم يضاعف له العذاب يوم القيامة، {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:٦٩ - ٧٠].
{مَنْ تَابَ} [الفرقان:٧٠]: يعلنها الآن صادقة من قلبه.
{وَآمَنَ} [الفرقان:٧٠]: صدَّق بوعود الله.
ثم {عَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:٧٠] هجر هذه المجالس إلى مجالس الخير، ترك هذه الأفلام لأفلام الخير، كسر تلك الأشرطة إلى القرآن والمواعظ والدروس والخير، ترك أولئك الفسقة الفجرة إلى هؤلاء الصالحين الطيبين {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:٧٠].
دخل الحسن البصري على أهله، فقالوا له: يا أبا سعيد! العشاء فلا يجيب، يا أبا سعيد! العشاء فلا يجيب، فيقول لأهله: كلوا عشاءكم أتعرف لماذا يا عبد الله؟
لأنه رأى رجلاً يحتضر ويموت أمامه، فقال لأهله: لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقى الله.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.