[الدعوة إلى الله تعالى]
ثالثاً: الدعوة إلى الله:-
أرعني سمعك، وأعد اجتهادك مرة أخرى لقد قمتَ الليل، وعدتَ مريضاً، وتبعتَ جنازة، وحضرت درساً أو درسين، ولكن لا زال في الوقت متسع؛ فإن الأوقات كثيرة، ومن أعظم ما تشغل به وقتك: الدعوة إلى الله جل وعلا أن تبلغ هذا العلم الذي حصلت عليه، وأن يكون منهج حياتك: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨].
قد تقول: يا شيخ ليس عندي علم كثير؟ أقول لك: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) تحفظ آية: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣] إذاً: بلغها للناس، فكم من الناس من لا يصلي تحفظ قول الله: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣] إذاً: بلغها، فإن كثيراً من النساء لا يتحجبن تحفظ قول الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨] بلغها للناس، فكم من الناس من يرابي ويتعاطى بالربا!
أخي العزيز: اسمع إلى هذا الرجل: لما سمع أن في أقصى مدينته -في ناحية المدينة- رسل جاءوا يدعون إلى دين الله جل وعلا ويدعون الناس إلى الحق، وكذبهم قومهم، فهل جلس في بيته؟ هل قال: أنا ما عليّ من الناس؟ هل قال: عليكم أنفسكم؟ هل قال: أهم شيء أحفظ ديني وما عليّ من الناس؟ لا.
بل ركض مسرعاً من بيته إلى مكان الكفر بالأنبياء والضلال والإلحاد والجحود، ركض سعياً على قدمه، من أقصى المدينة إلى أقصاها، قال الله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس:٢٠ - ٢١] جاء يقول: يا قوم! توبوا إلى الله جل وعلا، ارجعوا إليه، أنيبوا إليه، فماذا فعلوا به؟ لقد قتلوه بغير ذنب، لأنه دعاهم إلى الله جل وعلا، فلما بعثه الله جل وعلا وأدخله الجنة قال: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:٢٦] لا زال حريصاً على قومه، لا زال مشفقاً عليهم بعد أن قتلوه: {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:٢٦ - ٢٧].
أيها الإخوة: نحن نحتاج إلى دعاة لا قضاة، نحتاج أناساً مشفقين على الناس، رحماء بهم، ينشرون دين الله جل وعلا كما كان ينشره عليه الصلاة والسلام الذي قال الله عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] فبلغ دين الله جل وعلا في الطائف، وسافر مشياً على الأقدام حتى أتى إليها، فقال له أحدهم: أما وجد الله غيرك ليبعثك؟! انظروا إلى السخرية، والاستهزاء والتكذيب! وقال الثاني: لو كنت صادقاً فلا أجرؤ على مخاطبتك، وإن كنت كاذباً فأنا أرفع من أن أتكلم وأجيبك.
فخرج وهو يُتبع بالحجارة، وهو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، ويضرب ويهان من العبيد والسفهاء والأطفال، فجاءه ملك الجبال وقال: (دعني أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا.
إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً) {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣].
إن الدعوة إلى الله لا تريد شيوخاً فقط أو علماء أو دكاترة، لكنها تحتاج إلى صادقين ناطقين، يخرج عشرة ريالات يشتري بها شريطين أو ثلاثة، ويأتي الشارع ويسلم على فلان، ويتعرف عليه، ويهدي إليه هدية لله جل وعلا، ويقول: يا فلان أرجو أن تستمع إلى هذا الشريط هذه الليلة، فربما فتح الله قلبه.
كان هناك بنت لاهية غافلة، ما من أغنية إلا وتستمع إليها، فرجعت إلى بيتها بعد يوم دراسي مسعد، تقول وهي تحدث عن نفسها: اقتربت من البيت، فوقعت قدمي على شريط لا أدري ما هو، فأخذته وكانت تقول في نفسها: ربما يكون الشريط لأحد المطربين الذين سمعتهم أو لم أسمع بهم، تقول: فجئت إلى البيت ووضعت الشريط في المسجل، فإذا رجل يتحدث عن الجنة والنار، والقبر والموت، والدار الآخرة، فسمعت حديثه حتى انتهى، وما انتهى الشريط إلا وفتح الله قلبي وصلح حالي، واهتديت إلى الله، وأنا اليوم أدعو إلى الله جل وعلا من رمى هذا الشريط؟ وهل كان يقصد أن يدعوا إلى الله به؟ أرأيت؟! {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].
وكم من الناس هداهم الله بورقة، أو بشريط، أبو برسالة، أو بدمعة، فهذا شاب داعية إلى الله جل وعلا، شاب صغير هداه الله، ركب في سيارة أخيه الفاسق يوماً من الأيام، وأخوه لاهٍ غافل عن الدين والدار الآخرة، وفي الطريق وضع أخوه شريطاً للغناء، فقال الشاب الصغير: يا أخي أغلق الشريط، إذا لم ترد أن تسمع فاسمع لوحدك، أنا لا أريد أن أسمع.
فقال بغلظة: إذا ما أردت أن تسمع أنزلك من السيارة الآن، فسكت الصبي، لقد أرغمه على سماع الأغاني، وبعد قليل نظر الأخ الكبير إلى أخيه الصغير فإذا هو يبكي، فقال: ما الذي يبكيك؟ قال: أرغمتني على معصية الله جل وعلا.
فأوقف الأخ الكبير السيارة، وأخرج الشريط ورماه من النافذة، ثم أعلن توبته من تلك الدمعة، فرب دمعة تاب على يديها كثير من الناس.
أين الصادقون؟ وأين الناصحون؟ وأين الدعاة إلى الله جل وعلا؟!
والله تعالى يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:٧١] وحديثي للرجال والنساء فهل فكرنا أن ننشئ مجتمعات إسلامية، ومجالس إسلامية، وحلقات ذكر في بعض البيوت؟ هل فكرنا في شارعنا وفي حينا وفي حارتنا؟ هناك رجل لا يصلي، هل فكرنا أن نجعل له زيارة، ونطرق عليه الباب وندعوه إلى الله جل وعلا؟! هل فكرنا أن نأتي محلاً تباع فيه بعض المحرمات، نأتي إلى صاحبه بأسلوب حسن، وبأخلاق كريمة، ونعطيه هدية، وننصحه في الله جل وعلا؟ هل فكرنا في هذا؟
أحد الناس فكر أن يدعو إلى الله جل وعلا، لكن ليس عنده أموال ولا أسلوب، فقال لإخوانه: من منكم عنده مجلات إسلامية قديمة؟ هو لا يريد أن يقرأها، فجمع من فلان وفلان، حتى جمع كراتين من المجلات الإسلامية، فقالوا: يا فلان! ما تريد أن تفعل بها؟ أتعرف ماذا فعل؟ ذهب إلى محلات الحلاقة والمطاعم والصالونات وغيرها، التي فيها مجالس انتظار، وعلى الطاولة مجلات خليعة فاسقة فاجرة، فأخذ هذه المجلات الإسلامية ووزعها على تلك الطاولات ومحلات الانتظار، يقول: ربما يجلس بعض الناس فيتصفحون هذه المجلات، فرب نصيحة تفتح قلوبهم، تأمرهم بمعروف أو تنهاهم عن منكر.
وشاب آخر قال لإخوانه في الله: من منكم عنده أشرطة يتبرع بها لا يريد أن يستمع إليها الآن؟ فأعطاه بعضهم ثلاثة وبعضهم أربعة حتى جمع مجموعة من الأشرطة، ثم جاء إلى بعض الباصات وبعض سيارات النقل والأجرة، فقال: هذه بعض الأشرطة الإسلامية، في حلة طيبة هدية لله جل وعلا، وقال: ربما يركب معكم رجال أو أناس أو بعض من تريدون أن توصلوهم، فربما يفتح الله عز وجل قلوبهم.
أرأيت إلى الإخلاص ماذا يفعل؟! {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:٣٣].
هم في القلب يؤثر على الجوارح فيجعلك تطرق الأبواب، وتتصل، وترسل رسائل، وتشتري أشرطة توزعها، وكتيبات تنشرها، وتقوم في المساجد تذكرهم بالله جل وعلا، وتأتي إلى المجالس والنوادي، وتنصح الناس لله تعالى، فإن البداية هم في القلب يظهر على اللسان وعلى الجوارح.
أيها الأخ الكريم! أيها الأخ العزيز! أيتها الأخت الفاضلة! إن أوقاتنا محسوبة علينا.
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
وفي الختام: اعلم أنك عندما تعمل لدين الله جل وعلا وتدعو الناس وتصلح المجتمع، أن الغرب واليهود والنصارى، يعملون ليل نهار، فهم أنشط منا وأحرص منا على إضلال المسلمين وعلى غواية المسلمين، والأمر صراع فمن يسبق؟ {وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [هود:١٢١] هل قال الله: إنا نائمون، إنا منتظرون، إنا جالسون لا.
قال {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ} [هود:١٢١].
إذا عملتم فنحن نعمل، فإذا عملتم الليل والنهار فنحن كذلك نعمل الليل والنهار، نعمل لنشر دين الله جل وعلا {وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هود:١٢٢].
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكم بما ذكرت إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.