أختم حديثي بمشكلة تصادف كثيراً من الناس، يقول: يا شيخ! والله أنام مبكراً، وأضع الساعة والساعتين، وأعزم من قلبي، وأرفع يدي لله: يا رب! أعني لصلاة الفجر، يقول: وأقول لأمي التي تقوم كل يوم لصلاة الفجر، أطرقي علي الباب، يقول: ومع هذا أستيقظ وإذا الشمس قد طلعت، أنظر للساعة ما سمعتها، أسأل أمي تقول: طرقت الباب فلم تجب، يقول: ما الحل؟ لم لا أقوم لصلاة الفجر؟
أقول لك: اسمع إلى الحسن البصري كيف يجيبك عندما سئل: قيل له: نريد قيام الليل فلا نستطيع -نحن مشكلتنا الآن صلاة الفجر، هم كانت مشكلتهم قيام الليل- قال بعضهم للحسن البصري: نتمنى قيام الليل فلا نستطيع، أتعرف بم أجاب؟ قال رحمه الله:"قيدتكم ذنوبكم" وأنا أجيبك بهذه الإجابة، إذا بذلت جميع الأسباب ورفعت يديك إلى الله، وتوكلت على الله، ولم يوفقك لقيام صلاة الفجر، فاعلم أن هناك ذنباً، وأن هناك معصية أنت أدرى بها، وأنت أعلم بها، ما أدري هل هي نظرٌ للنساء؟ أم غيبة ونميمة؟ أم بعض الأفلام والمسلسلات؟ أم اطلاع على العورات؟ أم حبٌ للأغاني والفجور؟ في قلبك معصية منعتك عن القيام لصلاة الفجر، والله عز وجل يقول:{وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ}[التوبة:٤٦].
سل نفسك يا عبد الله: أين هذه المعصية؟ وما هذه المعصية التي منعتك أن تقوم لصلاة الفجر؟ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤] لعلك تقول: لم هذه الوقفة؟ وأكثركم يحفظ هذه الآية، وتعرف أن فيها سكتة {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤] وكأن الله توقف، الله جل وعلا توقف هنا لأن الأمر شديد، والعقوبة عظيمة، والجرم يستحق هذه العقوبة:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤] أصبح الذنب على الذنب، والمعصية على المعصية، كالران على القلب، لا يسمع صلاة الفجر، ولا تنفع فيه الأسباب، ولا يوفقه الله لقيامها.
سل نفسك يا عبد الله: أي معصية منعتك من قيام صلاة الفجر؟ واعلم أن الأمر خطير، وهو عمود الإسلام، وأن هذه الصلاة لو جئنا يوم القيامة ولم تكن صالحة، فلن تصلح صدقاتنا، ولا صيامنا، ولا حجنا، ولا برنا، ولا صلة أرحامنا، ولا دعوتنا إلى الله، ولا تنفع أعمالنا جميعاً:(الصلاة وما ملكت أيمانكم) ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة) أول ما يحاسب أي: من المصلين، تعالوا أيها المصلون! أما غير المصلين فيحشرون؟ مع فرعون وأبي بن خلف، وأبي جهل مع أهل الشر.
أما المصلون فإن الله ينظر في صلاتهم (إن صلحت صلح سائر العمل) صلح الصيام وصلح الحج، وصلحت الصدقات، وصلح الدعاء، وسائر الأعمال (وإن فسدت) نسأل الله العافية، فسدت حيث لم يأت بها في وقتها، ولا بأركانها، ولا بخشوعها، ولا بواجباتها، ولا بسننها كيف نقدم لله هذه الصلاة؟ (وإن فسدت فسد سائر العمل) فالله الله أيها الإخوة! في الصلاة.
وأرجو -أيها الإخوة- أن نأتي في مجلسٍ آخر، فنبحث في مشكلة أخرى وهي قيام الليل، وقد فرغنا من هذا الأمر، نفرغ من صلاة الفجر، حتى يصبح المتخلف في صلاة الفجر كأن في وجهه علامة وسمة، حتى قال عمر بن الخطاب حين افتقد أحد الصحابة -الآن أيها الإخوة نقول: من يصلي الفجر؟ ولا نقول: من لا يصلي؟ لأنك لو سألت: من لا يصلي الفجر؟ لما استطعت أن تعدهم، أما تسأل من يصلي الفجر فيقال لك: فلان وفلان وفلان يعدون على الأصابع، أما الذين لا يصلون فإنهم لا يعدون- عمر يسأل في يوم من الأيام: أين فلان؟ -هذا السؤال، ما نسأل إذا غاب عن دوام أو عمل، أو عن عشاء ما حضر، نسأل إذا لم يصلِّ الفجر: أين فلان؟ - فرأى أمه في السوق، فقال لها: يا أم فلان! أين فلان ما رأيناه في صلاة الفجر؟ فقالت: قام الليل فغلبته عيناه، فقال عمر:[والله لئن أصلي الفجر في جماعة أحب إلي من أن أقوم الليل كله].
يا عمر! ليتك تأتي إلى مجالسنا، وترى لم لا نصلي الفجر إلا من رحم الله؛ هل هو لأجل تلفاز، أو مجالس لغو، أو غيبة ونميمة أو غيرها نسأل الله أن يعيننا وإياكم على القيام لصلاة الفجر.
هذا وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.