للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السلف وتذكرهم للموت]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام! (لحظة لا بد منها) موقف لا بد منه، ساعة قادمة لا محالة؛ فما هذه اللحظة التي لا بد منها؟

لا بد أن نمر فيها المؤمن والكافر، الصالح والفاجر، صغير أو كبير، غني أو فقير، هذه اللحظة لا بد منها أي لحظة تلك؟

هي لحظة الاحتضار، ساعة السكرات، الفراق من هذه الدنيا، فكر معي في هذه الجلسة في هذه اللحظات التي هي حقاً لا بد منها؛ فكل الناس ميتون: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:١٨٥] هل أنت منهم؟ إي والله؛ لكن فعلك لا يوحي بذلك، لكن تصرفاتك وقلة عبادتك وضعف اليقين لا يوحي بأنك مؤمن بهذه الآية حق الإيمان، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)) [آل عمران:١٨٥].

كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يجلس كل ليلة مع العلماء والعُبَّاد والزُّهَّاد يتذاكرون الموت وهذه اللحظة؛ فيبكون كأن جنازة بين أيديهم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران:١٨٥].

وكان عثمان رضي الله عنه إذا ذُكر له الموت بكى.

وكان سفيان إذا قيل له عن الموت شيء أو ذكر الآخرة أخذ يبكي حتى يبول الدم رحمهم الله جميعاً.

أكثروا ذكر هادم اللذات.

أرأيت الغفلة؟! إنما جاءت بعد أن نسي الناس هذه اللحظة التي هي لا بد منها، قال بعضهم:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل

سليمان عليه السلام نبيٌ من الأنبياء كان جالساً مع أحد أصحابه، فجأة دخل رجل ثالث عليهما، فأخذ الرجل الثالث ينظر إلى الرجل الذي عند سليمان -اسمعوا القصة العجيبة- فخاف الرجل، رجل غريب دخل وأخذ يحد النظر وينظر إليه بعينين محدقتين، فلما خرج الرجل الغريب قال صاحب سليمان: يا نبي الله، من هذا الرجل الذي دخل؟ قال: لم تسأل؟ قال: رأيته ينظر إلي نظراً محدقاً ففزعت منه، قال: ألم تعلم من هو؟ قال: لا يا نبي الله، قال: هذا ملك الموت، فخاف الرجل وقال: يا نبي الله احملني، قال: لمه؟ قال: احملني إلى أي أرض بعيدة أهرب من ملك الموت، كل الناس يخافون من الموت، فحمله سليمان إلى بلاد بعيدة قيل: هي الهند، فلما نزل الرجل، فإذا بملك الموت يستقبله، فقَبَضَ روحه.

فجاء ملك الموت إلى سليمان عليه السلام قال: له نبي الله: يا ملك الموت أخبرني عن قصة هذا الرجل، قال: هذا قصته غريبة، قال: ما قصته؟ قال: أمرني ربي أن أقبض روحه في تلك البلاد فوجدته عندك فقلت: سبحان الله! أمرني ربي أن أقبض روحه في تلك البلاد البعيدة وهو عندك جالس، يقول: فإذا به يذهب بنفسه إلى حتفه: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:٨].

مهما فعلتَ وصنعتَ وأخذتَ من الاحتياطات واستعديت يا أخي العزيز لصحتك؛ فإن الموت قادم مهما فررت، أرأيت المستشفيات كيف تمتلئ؟!

أرأيت الناس ماذا يصنعون؟!

أرأيت الناس عن ماذا يبحثون؟!

عن الحياة لكنه الموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:١٨٥].

أخي العزيز! فكر في هذه اللحظات والناس على صنفين:

- منهم من يموت وخاتمته حسنة.

- ومنهم من يموت -والعياذ بالله- وقد ساءت خاتمته.

كم من الناس من فضحه الله عز وجل عند الموت، فُضِح -إي والله- فإذا به يكفر ويفجر، وإذا بملك الموت يقبض روحه وهو على فجوره ومعصيته.

كان يقول: إنها آخر مرة أعصي الله ثم أتوب بعد هذا، وما يدري أنها اللحظة الأخيرة، إنها السكرة، إنه على موعد مع ملك الموت.

كان يقول: سوف أتوب إذا قدم الحج، سوف أتوب في رمضان، سوف أتوب بعد شهر أو شهرين والمسكين لا يدري أن الموت أقرب: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشعراء:٢٠٥] في لهو وطرب وسكر وعربدة: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ} [الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٦] الموت! {مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:٢٠٧].

سفيان الثوري يقول: [والله لا أخاف ذنوبي -الأمر ليس بالذنوب، الذنوب يتوب منها؛ لكنه يقول: لكن أخاف أن أسلب الإيمان قبل الموت] أخاف أن أُفتن فأسلب الإيمان قبل الموت.

أحد السلف يقول: [والله إني أخاف أن أُفتن قبل موتي، قالوا: وكيف ذاك؟ -كيف تُفتن- قال: أخاف أن يشتد نزعي -يعني: خروج الروح- ثم أقول كلاماً لا يرضي ربنا، ثم أُفتن قبل الموت].

يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة -من صلاة وصيام وقيام وركوع وسجود- حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب؛ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:٢٧] الظالم يضله الله قبل الموت.