أيها الأحبة! وفي المحشر بعد أن وقف الناس خمسون ألف سنة، وبعد ذلك الحر والعطش والعرق يشفع لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم لفصل القضاء، فإذا هم يرون شيئاً قد أتى إنها جهنم، قال الله عز وجل:{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}[الفجر:٢٣].
بعد ذلك الحر والعطش إنها جهنم يقول ابن مسعود: قال صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذٍ ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها){وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً}[الكهف:٥٣] علموا أنهم سوف يدخلونها، عند ذلك يسمعون صوت جهنم، يسمعون صوت جرجرتها، وصوت تغيظها، وصوت زفيرها من بعيد {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً}[الفرقان:١٢] وهذا يدل على غيظها وغضبها، عند ذلك أيقن المجرمون بالعطب، وجثت الأمم على الركب وكلٌ منهم يقول: نفسي نفسي، يقول الله عز وجل:{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى}[النازعات:٣٤ - ٣٥] يتذكر يوم أن نام عن الصلاة، ويتذكر أمواله التي وضعها في الربا، ويتذكر أنه ما أمر بناته بالحجاب، ويتذكر أنه طالما نظر إلى النساء واستمع إلى الأغاني {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى}[النازعات:٣٥ - ٣٦].
عند ذلك يحاسبهم الله عز وجل يحاسب الكفار والمجرمين حساباً عسيراً، ثم:{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ}[الحاقة:٣٠ - ٣٢] تدخل من منخره وتخرج من أسته، فيقاد إلى جهنم {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ}[القمر:٤٨] فيساق المجرمون الكافرون وهم يدعون على أنفسهم يقول أحدهم: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}[النبأ:٤٠] ويقول الآخر: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً}[الفرقان:٢٨] ويقول بعضهم {يَا وَيْلَتَنَا}[الكهف:٤٩] ويدعون على أنفسهم بالهلاك والثبور {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا}[الزمر:١٧].
ألا تعلمون -أيها الإخوة- أنه يخرج منها شرر؟ {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}[المرسلات:٣٢ - ٣٤] حتى إذا اقتربوا منها فتحت أبوابها {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الزمر:٧١] فإذا فتح خزنتها وهم {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ}[التحريم:٦] إذا فتحوا جهنم يدخلونها فينظرون إليها {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ}[الأحقاف:٢٠] فيقال لهم: {أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأحقاف:٣٤].