تصور نفسك وقد دخلت، ما في الجنة شجرة إلا وساقها ذهب، حصباؤها الزعفران واللؤلؤ والياقوت، تمر على أنهار من لبن، أنهار من خمر، كل منكم يرى هذا بعينه، لبن لا كلبن الدنيا، خمر لا كخمر الدنيا، عسل مصفى يجري على الأرض، أتتصور هذا! {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً}[محمد:١٥].
تخيل أنك تجلس على ضفاف نهر من هذه الأنهار، نهر من لبن، نهر من عسل، نهر من خمر لا كخمر الدنيا (من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة) قال بعض أهل العلم: لا يدخل الجنة إذا لم يتب، وقال بعضهم: إذا دخل الجنة فإنه لا يشربها داخل الجنة، ومن قال: لا يدخل الجنة، قال: إذا استحل شرب الخمر
ونهر من عسل، نهر من لبن أبيض من لبننا، وأحلى من طعمه في الدنيا، تخيل أنك تجلس على هذه الأنهار أنهار الدنيا تجري في أخاديد، أما أنهار الجنة فلا أخاديد لها، تقول: وكيف تجري؟! وكيف تسير على أرض الجنة؟! أقول لك: تسكب على أرض الجنة سكباً.
قال تعالى:{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ}[الواقعة:٢٧ - ٢٨] أتعرف ما هو السدر؟ إنه شجر فيه شوك لكنه في الجنة مخضود، ذهب شوكه وصار مكان كل شوكة ثمرة، تفتق هذه الثمرة من أكثر من سبعين لوناً لم نرَ مثلها في الدنيا:{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}[الواقعة:٢٨ - ٣١] مائة عام يسير الراكب الجواد في هذا الظل لا يقطعه، أتتصور هذا! أتتخيل هذا يا عبد الله! أي شجرة هذه؟!
يجلسون على الأرائك، إذا اشتهى ثمرة من الشجرة لا يقوم من مجلسه، تدنو له الثمرة إلى مجلسه، فيقطفها فيأكلها إذا شاء، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ}[الواقعة:٣٢ - ٣٤] فرش ترفع من ديباج (حرير) أسرة يجلس ويتكأ عليها.
يجتمع أهل الجنان يتحدثون، فإذا بهم يتذاكرون الدنيا، وأحزانها، ومصائبها وآلامها، يوم صبروا على الجهاد، وصبروا على طاعة الله، يوم جلسوا في المساجد يذكرون الله، يذكر بعضهم بعضاً أتذكرون القيام في رمضان؟ أتذكرون مجالس الذكر في ذلك المسجد؟ أتذكرون حين ذهبنا إلى العمرة وحججنا بيت الله؟ أتذكرون أيام الجهاد؟ {قَالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] أي: خائفين من الله {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[الطور:٢٧].