[قصص رجال تابوا إلى الله]
اسمع إلى هذا الرجل، يقول عن هذا الشاب الذي قد أهلته الدنيا وأضاعته بين الشهوات، والملذات، كيف ختم الله عز وجل له.
اسمع يا عبد الله ولعلك تكون من هؤلاء الرجال، يقول: رأيته يكلم فتاة في الطريق، فأتيت لأنصحه، يقول: لما اقتربت منه هربت الفتاة، فجئت لأنصح هذا الشاب، فإذا به يستمع، يقول: وأنا أنصحه لمدة نصف ساعة، يقول: فلما ختمت الكلام ذرفت عيناه بالدموع، بكى، (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله) هل لك أن تبكي من خشية الله، يا عبد الله؟ إذا أردت الجنة هذا طريقها، يقول: فبكى، ثم قلت له: يا فلان أعطني رقم هاتفك، يقول: فأعطاني رقم هاتفه، يقول: وبعد أسبوعين تذكرته، فاتصلت عليه، فقلت: فلان تذكرني؟ قال: نعم، قال: وكيف أنسى صوتاً كان سبباً لهدايتي، قال: الله أكبر اهتديت، قال: والله منذ تلك الكلمات وقد شرح الله صدري، لا أفارق المسجد ولا القرآن، قلت: أزورك الليلة، قال: متى؟ قلت: بعد صلاة العصر، قال: فشغلني شاغل، وجئته في الليل فطرقت الباب، فقلت: أين فلان؟ قالوا: من تريد؟ قلت: فلان، قالوا: دفناه قبل ساعة {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر:٢٧ - ٢٩] فقال لي هذا الشيخ الكبير: ومن أنت؟ قال: عرفت ابنك قبل أسبوعين، قال: دعني أقبل رأسك قال: لِمَ؟ قال: دعني أقبل رأساً أنقذ ابني من النار.
عبد الله: لا تضمن أنك ستخرج من هذه الخيمة، ولا تتيقن أنك سترى الشمس تطلع، ولا تضمن نفسك أنك إذا نمت أن تصحو من نومك.
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لقطاً فتلحق أخرانا بأولانا
وفي كل يوم لنا ميت نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس ما لي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عرياناً
أبعد خمسين قد قضيتها لعباً قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصاً وهذا الدهر يزجرنا كأن زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومن كانت تخر له الأذقان إذعانا
صاحت عليهم حادثات الدهر فانقلبوا مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلو مدائن كان العز مفرشها واستفرشوا حفراً غبراً وقيعانا
يا راكضاً في ميادين الهوى مرحاً ورافلاً في ثياب الغي نشوانا
مضى الزمان وولى العمر في لعب يكفيك ما قد مضى قد كان ما كانا
عبد الله: البدار البدار، السباق السباق، واعلم يا عبد الله أن من الناس من كتب الله له الجنة وهو يمشي على الأرض، فكن من هؤلاء النفر.
نسأل الله عز وجل أن يعتقنا وإياكم في هذه الليلة من النار، وأن يكتبنا في دار الأبرار، وصلى الله وسلم على سيد الأبرار وعلى آله وصحبه أجمعين.