وهناك شبهة أظنها قد وردت على بعضنا: كيف أدعو إلى الله، وكيف أصلح الناس ولا زلت مقصراً، ولا زلت أعاود الذنب وأصر عليه؟ إن بيني وبين الله ذنوباً ومعاصي، كيف أدعو غيري؟
أخبرك أخي العزيز: إن فعل المعصية ذنب، وترك الدعوة إلى الله ذنب آخر، فلا تجني على نفسك ذنبين، اكتفِ بذنبٍ واحد وحاول وجاهد نفسك أن تتركه، ولا تجمع على نفسك ذنبين:
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ فمن يعظ العاصين بعد محمدِ
كلنا مذنب لو قال المذنبون: لا ندعوا إلى الله، فمن يدعو إلى الله؟ فجاهد نفسك على ترك الذنب والمعصية.
إن أول طريقٍ لترك الذنب والمعصية: أن تبتعد عن أسبابها، لا تقل: أستغفر الله وأنت لا زلت تحمل الدخان في جيبك.
لا تقل: أستغفر الله، ولا زلت تذهب إلى أماكن الزنا والخنا.
لا تقل: أستغفر الله، ولا زلت تحتفظ بالصور وبالأرقام وبالأسماء والمواعيد.
لا تقل: أستغفر الله، ولا زلت مصراً على الذنوب والمعاصي:{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران:١٣٥].
اعزم على ترك الذنب والمعصية، فإن عدت إليها فاندم وأقلع عنها، واعزم على عدم العودة لها، فإن غلبتك شهوتك ورجعت إليها فاندم وليتكسر القلب، وانطرح بين يدي الله، وابكِ من خشية الله، واعزم على عدم العودة إلى الذنب وإن غلبتك شهوتك، يقول الله جل وعلا في الحديث القدسي:(أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قال: أي رب! اغفر لي، قال الله عزَّ وجلَّ: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت له، ثم عاد فأذنب -لا إله إلا الله! قبل أسبوع تبت إلى الله وعاهدت الله، لكني عدت الآن إلى الذنب، أنا لا أدري- ثم قال: يا رب! اغفرلي، فقال الله عزَّ وجلَّ: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، -أي: يرحم ويأخذ بالذنب- قد غفرت له، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي، فقال الله عزَّ وجلَّ: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، عبدي! اعمل ما شئت قد غفرت لك) أي: لو كنت كلما أذنبت ندمت، وتكسر قلبك، وخشعت ولجأت بين يدي الله، وعزمت على ألا تعود، ثم أتبعتها بالحسنات وبالصالحات، ثم غلبتك شهوتك وعدت وكنت على هذا الحال، اعمل ما شئت فإن الله عزَّ وجلَّ قد غفر لك.
أقول هذا القول، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.