[قوة إيمان محمد بن المنكدر وخوفه من الله]
اسمع لـ محمد بن المنكدر بكى بكاءً شديداً حتى أشفق عليه أهله وتضايقوا منه، لِمَ هذا البكاء ولم ذلك النحيب؟ حاولوا معه فلم يستطيعوا.
عبد الله! هم بشر كما نحن بشر، وهم يذنبون كما نحن نذنب، ولكن فرق بين قلوبهم وقلوبنا، نعم (كل بني آدم خطاء) لكن أرأيت الفرق بين التوابين وبين غيرهم.
قال الراوي: فاستدعينا صاحباً له ليهون عليه، وليخفف عليه بكاءه ونحيبه، يقول: فجئنا بـ أبي حازم صاحبٌ مثله فدخل عليه يخفف عليه، فقال له: يا أبا عبد الله! ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ أبكيت أهلك، لقد أشفقوا عليك، لم كل هذا البكاء؟ فقال له محمد بن المنكدر: يا أبا حازم أتعرف ما الذي يبكيني؟ قال: ماذا؟ قال: قول الله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] كان يظن أنه إذا لقي الله فإن أبواب الجنان مفتوحة، نعم! كان يظن المسكين لما حضر بعض الدروس، أو صلى بعض الصلوات، أو قرأ بعض الآيات، ظن أنه في الفردوس الأعلى، فلما جاء يوم القيامة إذا حسناته هباءً منثوراً، وإذا أعماله {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩].
يأيها الصالحون! لا تأمنوا مكر الله يأيها المتقون القائمون الصائمون! لا تأمنوا مكر الله كيف بمن لا يقوم الليل!
كيف بمن لا يصوم النهار!
كيف بمن لا يعرف القرآن ولا يتدبره!
كيف بمن لا يعرف الفجر إلا بعد طلوع الشمس!
كيف بمن إذا خلا بمحارم الله انتهكها {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].
عبد الله! لا تظن أن الأمر هزلاً وضحكاًَ.
عبد الله! إذا جئت يوم القيامة ورأيت الأعمال كـ جبال تهامة بيضاً فجعلها الله هباءً منثوراً ماذا تفعل؟ وماذا تقول؟ وماذا تصنع؟
هل ينفع النحيب أم ينفع البكاء أم ينفع الندم؟
اسمع إلى قول بعضهم وكأنه يحكي عن نفسه ويحكي عنا، وهذه صفة التائب المنكسر
إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضل ومني
إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سني
وما لي حيلة إلا رجائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعفُ عني