اسمع يا عبد الله! إلى هذا الرجل كيف اطمأن قلبه؟ وكيف انشرح صدره؟ كان لا يعرف من الدنيا إلا النساء والأغاني والطرب! ظن أن السعادة هناك، وظن أن الحياة أغنية، وامرأة، وكأس، ونوم، وأكلٌ وشرب، ثم تنتهي الدنيا، فإذا به في الشارع يأتيه أحد الرجال الصالحين، يراه من بعيد فيسرع إليه لينصحه، فإذا بالفتاة تهرب فإذا به يأتي إلى هذا الشاب لينصحه، اسمع إلى تلك القصة الغريبة، جاء لينصحه ويُذكِّره بالله جلَّ وعلا، فإذا به يقول له: يا عبد الله! ألا تخاف من الله وتخشاه؟ فإذا به يذكره بقول الله جلَّ وعلا:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:١٨] يُذكِّره وينذره يوم القيامة، ويحذره عذاب الله جلَّ وعلا، يقول: نصحته نصف ساعة، ثم توقفت وإذا بي أراه وعيناه تدمعان! يبكي، عيناه تذرفان الدمع، يقول: فتعجبت من حاله، فأخذت رقم هاتفه وذهبت إلى بيتي ولم أتذكره إلا بعد أسبوعين، يقول: فرفعت سماعة الهاتف في الصباح، فسلمت عليه وقلت له: أنت فلان؟ قال: نعم، فقلت له: أتذكرني؟ قال: وكيف أنسى الصوت الذي كان سبباً في هدايتي.
الله أكبر! انظر إذا أراد الله أن يهدي إنساناً، وقال: وكيف أنسى الصوت الذي كان سبباً في هدايتي؟ قال: الله أكبر! اهتديت، قال: والله إنني منذ تلك الموعظة قد صلح حالي، والتزمت بطاعة الله، فقلت له: اليوم أزورك بعد صلاة العصر وسوف آتيك إلى البيت، فقال: حيَّاك الله!
يقول هذا الشيخ الداعية: صليت العصر، وبعد صلاة العصر جاءني ضيوف أخروني عن الموعد.
يقول: فإذا بي أنتظر مغادرة الضيوف، فذهبوا وقد حلَّ الليل، فقلت: لا بد أن أزوره على الموعد، يقول: فجئته في الليل متأخراً؛ فطرقت الباب، فخرج لي رجلٌ كبير في السن، فقلت له: أين فلان؟ قال: من؟ قال: فلان بن فلان؟ قال: دفناه قبل ساعة، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، غير صحيح اليوم كلَّمته بالهاتف، قال: لم يكن به بأس، صلَّى الظهر وتغدَّى معنا، ثم نام، وقال: أيقظوني لصلاة العصر، يقول: فجئنا لنوقظه فإذا به قد فارق الحياة الدنيا، فقلت له: ومن أنت؟ قال: أنا أبوه، قال أبوه: ومن أنت؟ قال: عرفت ابنك قبل أسبوعين، قال: إذاً أنت الذي أنقذ ابني من النار {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨].
أسألك -أخي الكريم سؤالاً! أسألك بالله وأجبني! أجب نفسك بنفسك إلى متى هذه الحياة؟
إلى متى والواحد منا إن صلىَّ صلاةً فرَّط بالأخرى؟ لم يمر عليه يوم يحافظ فيه على خمس صلوات في بيت الله إلا ما ندر إلى متى؟
إلى متى يمر علينا الشهر والشهران ولم نختم فيه القرآن مرة؟
إلى متى والعين تنظر للحرام؟
إلى متى والأذن تستمع للحرام؟
إلى متى واللسان لا يُبالي حداً من حدود الله غيبة، نميمة، سُخرية، كذب، استهزاء؟
إلى متى يا عبد الله؟ {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ}[الحديد:١٦].