الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
لعل هذا الموضوع واضح من عنوانه أن أغلبه سيرة؛ ولكن سيرة بشكل آخر، كيف نستفيد من هذه السيرة؟ ولعل الفاهم والفقيه في هذا الدرس من يعرف كيف يربط تلك السيرة بهذا الواقع المعاصر، وبالدعوة في هذه الأيام، لأن الوقت لن يسع، بل لن يسمح علم المتكلم أن يربط هذه السيرة بهذا الواقع، ولكن يكفينا إن شاء الله إشارات.
قبل البداية: هناك فرق بين العصر أو العهد المكي وهذا الوقت، ولا بد أن نعرف أمراًَ، وهو أنه ليس كل ما يقال في العهد المكي يطبق الآن، بل الأمر يختلف، ففي العهد المكي أولاً الإسلام لم يكتمل، فلربما يأتينا آتٍ فيقول: نفعل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم: لا نحرم الخمر على الناس نتدرج فيه نقول للناس: الخمر مباح، لكنه فيه إثم عظيم وفيه كذا، ثم بعد أيام نقول: اتركوا الخمر فقط في الصلاة واشربوا في غيرها، ثم بعد أيام نتدرج حتى نحرم الخمر على الناس، وهذا خطأ لأن الله عز وجل قال:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:٣] وقال: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[البقرة:٢٠٨] فلا يجوز أن نقيس العهد المكي بعصرنا بأن نقول: والله نتدرج مع الناس في التشريع، فهذه مصيبة، أو نقول: ندعو كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم -حرفياً- بـ مكة، فالأمر يختلف، ففي مكة لم يكن هناك منافقون كما في عصرنا، في مكة كان الناس إما مسلم أو كافر، لا يوجد غيرهما، أما في هذا العصر فالأمر مختلف جداً، ففي المسلمين -كما يقال- اختلط الحابل بالنابل المنافق والمسلم ضعيف الإيمان وقوي الإيمان، ومنهم العلماني الذي يدعي الإسلام، وغيرهم كثير، حتى بعض الكفار والزنادقة قد يدعي الإسلام في هذه الأيام.
هذه مقدمة قبل البداية.
سأل سعيد ابن عباس:[أكان الناس في مكة يعذرون في ترك دينهم؟ -واسمع إلى هذه الآثار العجيبة جداً ثم قارنها بهذا العصر- قال ابن عباس: إن كانوا ليجيعونهم ويضربونهم ويؤذونهم حتى إنهم ما كانوا يستطيعون الجلوس من شدة الأذى -الواحد منهم لا يستطيع أن يجلس من الإيذاء- حتى إن الجعل ليمر عليه -الجعل: حشرة صغيرة حقيرة- فيقال له: أهذا إلهك من دون الله؟ فيقول: إي والله، هذا إلهي من دون الله] مسلم صحابي من خيرة الصحابة لكنه ما استطاع أن يصبر، حتى أنه يقول للجعل: هذا إلهي من دون الله، {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}[النحل:١٠٦].