[الانتكاسة وترك التدين]
اسمع إلى هذا الشاب وأنا أحذركم من مثل هذه القصة، إنها من أخطر القصص وأسوئها، وهذه حدثت قبل سنين عديدة.
كان شاب يسافر في إحدى السفن التي تذهب للتجارة، وكان إماماً يقرأ القرآن، ويؤذن في الناس ويصلي بهم، واسمع ما الذي حدث له من الشهوات وما أدراك ما الشهوات! يقولون: مرت الأيام حتى نزلوا عند إحدى البلاد الغير إسلامية، ليفرغوا حمولتهم ويأتوا بحمولة أخرى، فذهب كل منهم إلى طريقه أسبوعاً كاملاً سوف تبقى السفينة عند هذا المرسى، فجاء رجل من أصحاب السوء، فوجد الشاب الصالح لم يفارق السفينة، فقال له: يا فلان! انزل معنا نتجول في البلاد، فقال: لا.
أنا أريد أن أجلس أقرأ القرآن حتى تنتهي المدة، قالوا له: انزل فربما ترى شيئاً تشتريه لأولادك، فنزل وذهب يتجول معهم في الأسواق والشوارع ينظر إلى الغادين والرائحين إلى النساء السافرات إلى المتبرجات، هذه قد كشفت ساقها، وتلك فخذيها، وهذه شيئاً من صدرها، فأخذ يلتفت يمنة ويسرة!
أين القرآن؟ أين الأذان؟ أين الصلاة؟ أين العبادة؟ كلها قد نسيها، أخذ ينظر إلى الفتيات يوماً بعد آخر، فذهب به صاحب السوء، وقال له: أتريد أن نذهب إلى أماكن تسمى أماكن الخنا.
قال: أعوذ بالله! قال: لن نفعل شيئاً، إنما نرى هل الأمر حقيقة أم خيالاً! وفعلاً ذهب وأخذ ينظر إلى الناس، ومرت الأيام فإذا بالشاب يدخل معهم فيفعل ما يفعل غيره.
أين القرآن؟ أين الصلاة؟ أين الأذان؟ أين قول الله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:٣٢] أخذ يفعل المنكرات، ولما حان الرحيل قال قائد السفينة: أين فلان؟ قالوا: لن يسافر معنا فلان إمامنا، الصالح فينا أين هو؟ قالوا: سوف يسوؤك الأمر، قال: لا بد أن تخبروني، قالوا: إنه في أماكن الدعارة والخنا، فقال قائد السفينة: لا بد أن نذهب إليه، فذهب إليه ينصحه، فقال: لن أذهب معكم، سوف أعيش في هذه البلاد، فأخذه قائد السفينة رغماً عنه، وحمله بعد أن قيده وألقاه في السفينة.
وعندما مشينا في البحر وحان وقت الصلاة أذن المؤذن فلم يأت للصلاة معنا، إنما جلس في الغرفة وأغلق الباب على نفسه، نناديه فلا يصلي نحثه للصلاة وهو لا يريد أن يصلي يقول: حتى جئته يوماً من الأيام، ونحن في وسط البحر، فقلت له: أما تخاف الله؟ أما تتقي الله عز وجل؟ كنت إمامنا كنت تؤذن للصلاة فينا، وأنت الآن لا تصلي! فقال: اذهب، أنا أريد الرجوع إلى تلك البلاد.
قال: ولِمَ؟ قال: حياتي ليست معكم، أنا أتحسر أنني ضيعت حياتي معكم في الصلاة والقرآن انظر ماذا يقول؟ قال: فاستعذت بالله منه، ودعوت الله عز وجل أن ينجينا من شره، واكتشفنا بعد أيام أنه مصاب بمرض جنسي، فابتعدنا عنه وهجرناه، ومرت الأيام حتى جاءت تلك الليلة، فسمعنا صوتاً في آخر الليل، ما الذي حصل آخر الليل؟
آخر الليل عندما ينزل الرب إلى السماء الدنيا نزولاً يليق به جل وعلا: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] نزولاً حقيقياً لكن ليس كنزول غيره، ينزل الرب فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟
يقول قائد السفينة: سمعنا صياحاً شديداً آخر الليل، فقمنا من الفرش، واتجهنا نحو الصوت، أتعرف ماذا رأوا؟ يقول: رأينا الرجل الشاب الذي كان إماماً يصلي بالناس يعض على خشبة في السفينة ويصرخ، فإذا به بعد قليل سكت وهدأ، فجئنا لنوقظه، فإذا هو قد فارق الحياة الدنيا، وقد قطع بأسنانه شيئاً من خشبة السفينة!!
أي ألم أصابه؟ أي عذاب تعذب به؟ أي خاتمة ختم له بها، هذا جزاء الشهوات تلك نهاية الملذات، إن اللذة قصيرة كاذبة وإن الشهوات اليوم سهلة، وإن كل الناس اليوم يستطيعون بأموالهم أن يفعلوا ما يشاءون من الزنا والخنا وشرب الخمور؛ ولكن تخيل: يأتي يوماً من الأيام بعض العصاة إلى الطبيب، بعد أن أصابه المرض، والطبيب يقول له: يا فلان! إن الأمر سيئ، أخبرني يا طبيب! فيقول له: إنك مصاب بمرض الإيدز، إنه الموت البطيء إنه الانتحار البطيء، لا فكاك ولا مفر، فضيحة وعار وشنار، ثم سوء ختام، تخيل أولئك العصاة! أتعرف كم هم؟ إنهم ملايين -الآن- على وجه الأرض ينتظرون الموت يبحثون عن الدواء والشفاء، لا دواء، ولا شفاء، كل منهم يبكي على فراشه ينتظر الموت، وأين الموت منهم؟ يقول أحد الشعراء:
يا عين فلتبكي ولتذرفي الدما ذنباً أحاط القلب أصغ له سمعا
أين الدموع على الخدين قد سالت فالنفس للعصيان يا رب قد مالت
فيا ترى أصحو من سكرة الشهوة أم يا ترى أبقى في هوة الشقوة
كيف القدوم على الجبار بالزلل أم كيف ألقاه من دون ما عمل
قلبي لما يلقاه قد أن بالشكوى دمعي جفا عيني من قلة التقوى
لكن من أرجوه لا يغلق الباب العفو يا رباه فالقلب قد تاب
أي سعادة يطلبون بالشهوات؟ إن كان أولها حسرة وندامة وآخرها مذلة وهوان فماذا يريدون؟