شاب في العهد المكي لم يتجاوز عمره العشرين سنة يرى محمداً صلى الله عليه وسلم -وتَخَيَّلْ هذه الصورة- أفضل الخلق وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فيأتيه هذا الشاب الصغير وقد أنهكه التعب، وآلمه الأسى واستبطأ النصر، فقال:(يا رسول الله! ادعُ لنا، استنصر لنا) ضاقت بهم الأمور، وتَخَيَّلْ صورتهم: هذا يُجَرُّ في الرمضاء في شدة الحر، وذلك يُضْرَب، وذاك يُطْفأ الجمر بجلده، وتلك يُطْعَن في فرجها برمح فتخرج روحها أمام ولدها، وذلك يُعَذَّب وتُعَذَّب أمُّه أمامه، وهذا يُضْرَب بالأسواق، وهذا هو وبناته الصغار يتضاغون من الجوع، وما يجد إلا أوراق الشجر يأكلها هو وبناته، عذاب وأي عذاب!
فإذا بمحمد صلى الله عليه وسلم يتغير لون وجهه، ثم يقول له مغضباً:(إنه كان فيمن كان قبلكم، يؤتي بالرجل فتُحفر له الحفرة، فيُوضع فيها، ويُنشر بالمنشار على مفرق رأسه) تَخَيَّلْ أنك هذا الرجل في حفرة والمنشار على مفرق الرأس، ثم قال:(فينشر).
هل هو مخدر؟!
هل هو غائب عن الدنيا؟! لا يا عبد الله! الدم يسيل، والجسد يتعذب، والروح لم تخرج، قال:(فينشر حتى يفلق فلقتين، ويؤتى بأمشاط الحديد، فيمشط ما بين لحمه وعظمه، لا يرده ذلك عن دينه؛ ولكنكم قوم تستعجلون) تستعجلون، اصبروا فما هي إلا سنوات.