للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة استجابة الله لدعاء إسكافي]

محمد بن المنكدر له قصة عجيبة غريبة، يقول: في يومٍ من الأيام قحط أهل المدينة، فخرجوا يستسقون فما سقوا -أي: ما نزل المطر- كل أهل المدينة، ومن أهل المدينة؟ إنهم الصالحون العباد، يقول: وكنت في تلك الليلة في المسجد وكان المسجد مظلماً، وقد اتكأت على سارية فدخل رجل لا أعرفه، ولم ينظر إليَّ وكان متوشحاً ببردة، فتقدم إلى المسجد، وجلس في الصف الأول وأخذ يصلي، وبعد أن انتهى من صلاته رفع يديه وأخذ يدعو الله ويثني عليه، ثم قال: أقسمت عليك يا رب لما سقيتهم -يقسم على الله أن يسقيهم المطر- يقول محمد بن المنكدر: قلت في نفسي: هذا الرجل مجنون، كل أهل المدينة خرجوا إلى الله يستسقونه وما سقاهم، وأنت تقسم على ربك أن ينزل المطر، فوالله ما أنزل يديه إلا والسماء ترعد، والمطر ينزل، يقول: فعجبت من أمره يقول: فأخذ يبكي، وهو يقول: من أنا حتى تستجيب لي؟ من أنا حتى تستجيب لي؟ عذت بحولك وقوتك، ثم أخذ يثني على ربَّه جلَّ وعلا، وأخذ يصلي حتى الفجر، يقول: فتبعته بعد الفجر حتى علمت منزله، وجئته في الصباح، فدخلت ونظرت فإذا هو إسكافي -أي: يصلح الأحذية- فقلت له: يا فلان! أنا صاحب البارحة الأولى في المسجد -أي: نظرت إليك وعلمت ما الذي جرى- فقال: يا أبا عبد الله! ما شأني وشأنك؟ يقول: فخرجت وانتظرته في اليوم الثاني فما جاء المسجد، وكذا اليوم الثالث فما جاء، يقول: فذهبت إلى البيت لأسأل عنه فقالت عجوزٌ عند البيت: يا أبا عبد الله! ماذا فعلت معه، منذ أن فارقته جمع أمتعته وخرج من البيت ولم يرجع إلى هذه الساعة، يقول: بحثت عنه في المدينة كلها فلم أره ولم أسمع به.

انظر إلى هذه العبادة وإلى هذا الإخلاص يتلذذ بعبادة الله، ولا يحب أن يراه أحداً، ولا يسمع به أحد: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر:١١].