[حالنا مع كتاب الله]
هذا هو القرآن الذي هجره بعضنا فلم يختمه إلا في رمضان وينتظر رمضان القادم!
هذا هو القرآن العظيم الذي كان الصحابة يجادلون الرسول في قراءته (يأتي رجل فيقول: أريد أن أختم القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأه في شهر قال: إني أطيق أكثر من هذا قال: اقرأه في سبع قال: إني أطيق أكثر من هذا قال: اقرأه في ثلاث - أي: اختم القرآن في ثلاث ليال، كل يوم عشرة أجزاء -قال: إني أطيق أكثر من هذا قال: لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث).
يجادلون الرسول عليه الصلاة والسلام في قراءة القرآن ويريدون أن يختموه في أقل من ثلاثة أيام، وأنا أسألكم وكل منا يسأل نفسه: منذ رمضان الماضي إلى هذه اللحظات وقد مضت أشهر عديدة من منا ختم القرآن؟ ثم نبكي حالنا ونردد قول الله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:٣٠].
من منا -أيها الإخوة الكرام- جعل في البيت جائزة ومكافأة لمن يحفظ كتاب الله جل وعلا في هذا الصيف، أو لمن يحفظ الجزء الثلاثين أو جزء تبارك أو أي جزء من القرآن؟ من منا فكر أن يحيي القرآن في بيته ويحيي أهله بالقرآن؟ أتعلمون أن من الناس من إذا دخل البيت ضاق صدره؟ يشتكي لي بعض الناس ويقول: إذا دخلت البيت ضاق صدري، وأحس بوحشة، وأتمنى الخروج من البيت، أقول له: إن بيتك لا تدخله الملائكة، بيتك عششت فيه الشياطين، هل تقرأ فيه القرآن؟ قال: كلا.
هل تصلي فيه السنن؟ قال: كلا.
هل يسمع فيه ذكر الله؟ قال: كلا، قلت: إذاً ما الذي يكون في بيتك؟ قال: التلفاز، والمسلسلات، والأغاني، قلت: ولا تريد أن تصاب بضيق الصدر!
بيوت الصحابة كانت في الليل لا يُسمع فيها إلا البكاء، وقراء القرآن يمر عليه الصلاة والسلام يوماً ببيوت الصحابة في الليل -انظر إلى قائد الأمة في الليل يطمئن على شئون الأمة- فإذا به يجد بيتاً قديماً فيه امرأة عجوز، والمرأة تقرأ القرآن وصوتها يخرج من البيت، وهي تقرأ وتبكي، ويسمعها المصطفى عليه الصلاة والسلام وهي تقرأ قول الله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] فتبكي وتقول: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] فيسمعها المصطفى، فيبكي معها وهو يقول: (نعم أتاني، نعم أتاني) أرأيت كيف يعيشون مع القرآن؟ بيوتهم امتلأت بالقرآن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة) اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم، اقرءوا القرآن، انشروا كلام الله جل وعلا، وأنا أعلم أن من الأطفال من عمره أربع سنوات ويحفظ عدة سور من القرآن بل من هو أصغر من أربع سنوات ويحفظ بعض السور، بل في بعض الدول غير العربية لا يعرفون اللغة العربية، ومن الصعب عليهم أن يحفظوا كلام الله أرسل رجل ابنه إلى مدرسة ليدرس فيها ثلاث سنوات يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب، فرجع الابن الصغير بعد ستة أشهر وخرج من المدرسة، فقال له الأب: يا بني لم خرجت من المدرسة؟ بقي لك سنتان ونصف.
فقال الابن الصغير لأبيه: يا أبي! ومن قال لك أنني خرجت هكذا؟ قال: لم خرجت؟ قال: لقد ختمت القرآن.
خلال ستة أشهر، أتعرف لماذا؟ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧] نعم.
إن الطفل الصغير عنده حافظة قوية جبارة، بل يقولون: إن أقوى الناس استخداماً لعقله هو الطفل، وهناك من المفكرين والعلماء والعباقرة من لا يستخدم من عقله إلا اثنان بالمائة فقط.
إذاً الطفل طاقة جبارة في الحفظ، فإما أن يحفظ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:١ - ٢] {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر:١ - ٢] وإما أن يحفظ تلك الأغاني، والمسلسلات، والأفلام التافهة فلابد له من أحد هذين الأمرين.