[محبطات الأعمال]
ألا تعلم -يا عبد الله- أن هناك أعمالاً تحبط هذا العمل، منها: أن تختلي بمحارم الله؛ تجلس في البيت، أو في المجلس، أو الغرفة، أو السيارة، أو تسافر إلى بلاد الغرب فتنتهك محارم الله، قال عليه الصلاة والسلام: (فيجعلها الله هباء منثوراً) أي: الصيام والصلاة والصدقة والحج والبر كله، يجعلها الله هباء منثوراً.
رأى عمر رجلاً من الرهبان عليه أثر العبادة، انقطع عن الدنيا لا يعرف غير الله -الرهبان من النصارى وغيرهم يعبدون الله جل وعلا طوال حياتهم لكن على ضلال- فبكى عمر، فقيل له: وما يبكيك يا أمير المؤمنين! قال: [تذكرت قوله جل وعلا: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٣ - ٤]] عاملة في الدنيا وتنصب، وتشقى في العبادة، ثم تلقى يوم القيامة عذاباً أليماً {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:١١].
قال ابن عمر لأبيه بعد أن تصدق بدرهم: [تقبل الله منك يا أبي! قال: يا بني! لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة بدرهم، لم يكن غائبٌ أحب إلي من الموت] لو أن الله تقبل مني درهماً، أو سجدة كان أحب شيء إلي الموت.
عباد الله: لنكن صادقين مع أنفسنا، لنضع أعمالنا في الموازين طاعاتنا وطاعاتهم؛ نضع طاعاتنا وطاعاتهم في الميزان، ثم نقيسها، ثم لنضع خوفنا من الله وخوفهم من الله جل وعلا في الميزان، من منا يخاف من الله أكثر؟ {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥].
كان مالك بن دينار عليه رحمة الله يقوم الليل قابضاً على لحيته وهو يبكي ويقول: "يا رب! يا رب! قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين مالك؟ " يصلي ويبكي ويقبض على لحيته وهو يقول: " ففي أي الدارين مالك يا رب " وكأنه يتمثل قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} [السجدة:١٦] لا يستطيع النوم، بل لا يهنأ له بال، خوفاً من الله.
انظروا إلى كثير من المسلمين قطعٌ للأرحام، وعقوقٌ للوالدين وهي من الكبائر، وربا، ونظر، واستماع للحرام، ثم سل عنهم في بيوت الله لا ترى منهم إلا القليل، ثم بعد هذا إن حادثته قال: إن ربي غفور رحيم، غفلة وأي غفلة، ويخبر الله عز وجل عن الناس إذا لقوا ربهم جل وعلا، قال: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق:٢٢] يوم القيامة {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:٢٢].
يا عبد الله! كن صادقاً مع نفسك، حاسبها قبل أن تحاسب، لا تنظر إلى من حولك فأكثر الناس في غفلة، لا تنظر يمنة ويسرة، حاسب نفسك قبل أن تحاسب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:١٨].
إن الله خبير بتلك الليلة عندما أذنبت ثم بكيت، وقلت: يا رب! أستغفر الله، يا رب! تبت إليك، يا رب! عاهدتك، إن الله خبير بتلك اللحظة عندما أصبت بالمصيبة، فقلت: يا رب! يا رب! لئن كشفت عني الضر لأومنن لك، ولأستجيبن لك، ولأعملن وأعملن، أين أنت الآن؟ تظن أن الله ينسى؟ {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢] تظن أن الله عز وجل غافل؟ لا والله، {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:٤٢] إذاً ما الذي جرأك على الله؟ ما الذي جرأك على عقوبة الله؟
كن صادقاً، وحاسب نفسك قبل أن يحاسبك الله جل وعلا، واعلم أن الله تعالى بعد التوبة غفارٌ لمن آمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.