ونختم بقصة محفظ، يقول المحفظ: كانت عندي حلقة في أحد المساجد، ودخل علينا شاب وكان يجلس وفي بيده مصحف كأنه يريد الحضور معنا، ولكنه مستحياً، فجئته يوماً فقلت له: أتحب أن تشاركنا، قال: أنا أحب القرآن، وأتمنى أن أشارككم، وفعلاً دخل الشاب وكان عمره خمسة عشر عاماً، فصار من أنشط الشباب في حفظ القرآن، حتى جاء اليوم الذي بدأ يغيب فيه، فجئته يوماً وتمشيت معه عند البحر، وقلت له: ما الذي جرى لك؟ ما الذي حدث؟ قال الشاب: إن أبي لا يحب الملتزمين، ولا يحب أهل القرآن، وفي يوم من الأيام اكتشف أني معكم في حلقات القرآن، وكنت على العشاء، ودخل في ليلة من الليالي عبوساً مغضباً، فدخل وجلس ولم يتجرأ أحد منا على الكلام، كعادته، فقال لي: يا فلان! سمعت أنك تمشي مع المطاوعة! فقلت له: نعم يا أبي! فإذا به يأخذ إبريق الشاي، فرماه في وجهي -وعمره خمسة عشر عاماً- يقول: ولم أجد إلا حضن أمي يحتضنني، ومرت الأيام وأنا صابر، حتى جاءني اليوم الذي كنت فيه على العشاء، وأردت الأكل، فقال لي: يا فلان! قم ولن تأكل معي يوماً من الأيام على سفرة واحدة.
يقول: فقمت ومشيت، ولما مشيت دفعني فسقطت على الأرض، وعمري خمسة عشر عاماً، فقلت: سوف أكبر يا أبي وسوف أرد لك الضربة ضربتين، وسوف أفعل فيك كما تفعل فيّ الآن، فقلت له: يا فلان! هذا أبوك والبر مطلوب، مهما فعل الأب، فإن فضله كبير، يقول: فصبرته وقلت: سوف أزور أباك غداً، وجئت في اليوم الثاني وطرقت الباب، ففتح الباب بقوة، فلم أبدأ بالكلام، حتى قال لي: ربما أنت الذي تحفظ ولدي، قلت له: نعم.
قال: إن رأيت ابني معكم يوماً من الأيام كسرت رجلك التي تمشي عليها، فلما أردت الذهاب بصق في وجهي ثم دخل، فقلت في نفسي: لقد فعل برسولنا عليه الصلاة والسلام أكثر من هذا فصبر، ولست أفضل منه.
يقول: وفعلاً انقطع خالد عن الحلقة، ومرت السنون والأعوام، وفي ليلة من الليالي صليت العشاء، وبعد الصلاة جاءني رجل كبير، فسلم عليّ فنظرت إليه فإذا هو أبو الشاب، فوجدت وجهه قد تغير، فقال لي: أريد أن جلس معك، فقلت له: كيف خالد؟ فبكى وقال: تعرف خالد لقد تغير، تعرف على رفقة من الرفق السيئة، وأصبح لا يأتي إلينا إلا منتصف الليل، عيناه أصبحت حمراوتان، وجهه تغير، وجسمه أصبح نحيفاً هزيلاً مضطرباً، وبدأ يرفع صوته عليّ، وفي يوم من الأيام لما بدأت أهدده حتى لا يذهب مع أصحاب السوء، فلقد وقع في المخدرات والرذيلة، ولما هددته ضربني بيده، قال: هل تصدق ابني يضربني! يقول: فلما انتهى من حديثه قلت له: ماذا تريد؟ قال: أريد أن يرجع معكم إلى الحلقة، أن يرجع معكم إلى تحفيظ القرآن، قلت له: يا فلان! هذا زرعك وهذا حصادك، اجني حصادك اليوم على ما زرعت يداك، ثم قلت له: لا بأس سوف نحاول في ولدك، ولكن هذا ما جنته يداك.
مشى الطاوس يوماً في اختيال فقلد شكل مشيته بنوه
قال علام تختالون قالوا سبقت به ونحن مقلدوه
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
قال الله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الحجر:٩٢ - ٩٣].
أخي العزيز! عندي قصص كثيرة ربما لم أذكر إلا نصفها، لكن أدعها لجلسة أخرى، ولكن اجعل هذه القصص عبرة لنفسك، ثم انقلها لغيرك، فربما يتعظ بعض الناس بقصة، وربما يعتبر بعض الناس بهذه الأحاديث ويجعل منها عبرة، انقلها إلى غيرك، ربما يهدي الله عز وجل على يديك بعض الناس.
أسال الله عز وجل أن تكون هذه القصص لنا ولغيرنا عبرة.
أقول هذا القول، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.