ابن كثير في البداية والنهاية في المجلد التاسع يترجم لهذا الرجل الجليل عشر صفحات أو خمس عشرة صفحة، ثم يكتب صفحة كاملة بثناء العلماء عليه، فمن أراد أن يقرأ ثناء العلماء عليه فليرجع إلى تلك الصفحة، يقرأ ماذا قال العلماء في الإمام أحمد بن حنبل، ونكتفي بقول شيخه وهو الإمام الشافعي رضي الله عنه، الذي كان كالشمس للدنيا وكالعافية للبدن كما وصفه الإمام أحمد رضي الله عنه، فالإمام الشافعي يقول في الإمام أحمد: كان أحمد بن حنبل إماماً في ثمانية أشياء لا يصل إليها أحد من أقرانه: كان إماماً في القرآن، إماماً في الحديث، إماماً في السنة، إماماً في الفقه، إماماً في اللغة، إماماً في الفقر، إماماً في الورع، إماماً في الزهد.
فهو إمام ليس فقط في الفقه والحديث والقرآن وإنما كذلك في اللغة، وكذلك في علم الحال، وهي أمور الدين والقلب والورع، فهو إمام في الفقر والزهد والورع، وفي خوف الله سبحانه وتعالى، وفي التجرد، كل هذه كان فيها إماماً، أي بلغ مرتبة عالية في التعبد، وفي الفقه، وفي الزهد، وفي الانكسار بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وقال الشافعي رحمه الله: خرجت من بغداد وما تركت فيها أعلم من أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي وهو يكلم أحمد بن حنبل؛ لأن أحمد من تلاميذ الشافعي، يقول له: يا أحمد! أنتم أعلم منا في الحديث، فإذا صح الحديث عندكم فأخبرونا، حتى نذهب إليه.
هذا يدل على الإنصاف، ويدل على اتباعهم للحق، ويدل على أن الرجال كانوا لا يتباهون في العلم، ولا يكتفون بالقليل منه ويعفون عن باقيه، بل أنى وُجِد الحق وحيثما وجد فهم وراءه، فـ الشافعي يكلم تلميذه ويقول: إذا صح عندك الحديث فأخبرنا عنه، فإننا نذهب إليه، لا كما يفعل كثير من المسلمين في هذه الأيام: أنا على الحق وغيري على الغلط، ومن أراد أن يقرأ لـ أبي زهرة، حيث يتكلم عن كثير من علماء نجد، يقول: لا يرون الحق إلا عندهم أما سواهم فهو باطل مهما بلغ، ما يقولون لعل الأمر فيه احتمال، لنا رأينا ولهم رأيهم، لنا اجتهادنا ولهم اجتهادهم، لا، نحن على الحق والباقي كلهم غلط، لكن العاقل والرزين الذي يسمع من هنا ومن هنا، فيعلم الحق مع من، كل إنسان يخطئ ويصيب، كل إنسان له وعليه، فيجب أن ننتبه لهذا، ولا نتعصب إلى بلدة معينة، ولا إلى رجال معينين، إنما نتبع الحق أينما كان.
أنا أقول كلاماً علمياً أختصره بتصرف يسير من محاضرة ألقاها محمد عبد الغفار بعنوان: الأئمة الأربعة، وهذه سلسلة أشرطة علمية شرعية، حبذا أنكم تحصلون عليها، وهي عشرة أشرطة في العلم الشرعي، ليست في السيرة ولا التاريخ ولا الرقائق، لكن في العلم الشرعي، أحد المحاضرات عنوانها: كيف تطلب العلم الشرعي، المحاضرة الثانية: أقسام العلم الشرعي، المحاضرة الثالثة: تاريخ التشريع الإسلامي، المحاضرة الرابعة: الأئمة الأربعة، المحاضرة الخامسة: البدعة أحكامها وأنواعها، المحاضرة السادسة: الاجتهاد والتقليد، المحاضرة السابعة: الفتيا، سلسلة علمية شرعية، يحرص عليها الإنسان المسلم، وسوف يستفيد منها، ومن أرادها يطلبها من مؤسسة تسجيلات الأذكار.