[شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه]
وانظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان يكلم أصحابه: (كان أشد حياءً من العذراء في خدرها).
في صحيح البخاري: (أن امرأة جاءت إليه عليه الصلاة والسلام فسألته عن كيفية الاغتسال من الحيض، فقال عليه الصلاة والسلام -وهو يشرح لها، ويبين لها كيفية الغسل- قال: خذي فرصة من مسك، وتتبعي بها أثر الدم، فتطهري بها، فقالت هذه المرأة: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: سبحان الله! تطهري بها، قالت عائشة: فرأيتُ في وجهه أنه قد استحيا عليه الصلاة والسلام، فأخذت عائشة هذه المرأةَ في جانب البيت، وأخذت تشرح لها كيف تغسل دم الحيض حياءً منه عليه الصلاة والسلام) ولم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا بذيئاً، ولا طعاناً، ولا لعاناً عليه الصلاة والسلام.
في يوم من الأيام سئل عليه الصلاة والسلام عن هذه الأمور، فكان يجيب بمثل ما أجاب، وكان يُرى في وجهه الحياء والعفة وكرم اللسان.
وكان عليه الصلاة والسلام -كما وُصِف- أنه: (أشد حياءً من العذراء في خدرها) أعلمتَم من هي العذراء؟ المرأة التي لم تتزوج، وفي خدرها أي: في بيت أمها، وفي غرفتها، وفي دارها، فهكذا هو عليه الصلاة والسلام.
أيها الأخ الكريم: إن المتفحش باللسان، والذي يتعود لسانه على السب والفحش، ووصف العورات، وغيرها من هذه الأمور البذيئة، فإن مروءته تسقط بين الناس، ويكون هذا الرجل رجلاً في الصورة ولكنه في الحقيقة قد سقطت مروءته ورجولته، أما لسانه فاللسان السوقي الذي اعتاد هذا الفُحش وتلك البذاءة.
وجاءت امرأة -زوجة رفاعة رضي الله عنه- تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: (يا رسول الله! إن زوجي قد بتَّ في طلاقي -أي: طلقني ثلاث طلقات- قالت: فتزوجتُ عبد الرحمن -أي: زوجها الثاني، وهي تسأل، وعند رسول الله عائشة، وأبو بكر، وأحد الصحابة عند الباب، وحياءً منها انظروا كيف تسأل- فقالت: يا رسول الله! وليس مع هذا الرجل إلا مثل هذه الهدبة، وأخذت جزءاً من طرف ثوبها -حتى لم تستطع أن تتلفظ بهذه الكلمات، مع أنها تستفتي في دينها، قالت: إلا مثل هذه الهدبة، أي: رجل ضعيف لا يستطيع أن يجامع- وكان عند الباب أحد الصحابة، فقال: يا أبا بكر! ألا تنهَ هذه المرأة عمَّا تجهر به عند رسول الله؟! -أي: سكِّت هذه المرأة عن هذه الكلمات الفاحشة، وما قالت كلاماً فاحشاً، ولا كلاماً بذيئاً، ولا سيئاً قبيحاً كما يقوله بعض الناس- فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لها: لعلك -يا فلانة- تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا.
حتى تذوقي عُسَيْلَتَه ويذوق عُسَيْلَتَكِ) فكان عليه الصلاة والسلام أفصح منها لساناً، وأشد أدباً عليه الصلاة والسلام فقال: حتى تذوقي عُسَيْلَتَه، كنَّى عن الجماع، بالعُسَيْلَة، هل رأيتم أدباً مثل هذا الأدب؟! وهل رأيتم عفة في اللسان مثل هذه العفة؟! وهل رأيتم كرماً وشرفاً ورجولة وأدباً مثل هذا قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤].
تجلس عنده عائشة، فيمر بعض اليهود، فيقولون: السام عليك يا محمد، والسام: الموت، يظنون أنه لم يفهم، ففطنت عائشة فقالت: وعليكم السام واللعنة، أي: ترد عليهم مثلما شتموا، وفي رواية: قالت: عليكم السام والذام، أي: الذم، فقال: (مَهْ يا عائشة؟! لا تكوني فاحشة) وما بالغت عائشة، لكنها ردت السيئة بالسيئة، ولكن أدبه عليه الصلاة والسلام يمنعه من هذا، فقالت: (أما سمعتَ ما يقولون يا رسول الله؟! قال: نعم.
ولكني قلت: وعليكم، انظروا إلى أدبه عليه الصلاة والسلام فرجع ما قالوا عليهم).