الأمر الثاني: يا عبد الله! في حياتك الدنيا إياك والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة إياك أن تظلم إنساناً، ولو بكلمة، أو لو بضربة، أو باتهام، أو بأي أمرٍ كان (فالمفلس يوم القيامة من يأتِ بصلاة وصيام ولكنه شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، أخذت من سيئاته ثم طُرِحت عليهم، ثم طُرِحَ في النار){وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}[إبراهيم:٤٢].
لا تقل: هذا من جنسية كذا، وهذا إنسان حقير، وهذا إنسان ضعيف فتظلمه! فالله جلَّ وعلا لا يظلم أحداً، ويوم القيامة يأتِ الظالم السمين العظيم لا يزن عند الله جناح بعوضة، يطؤه الناس بأقدامهم؛ لأنه ظلم {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}[إبراهيم:٤٢].
عبد الله: هذه نصيحة وموعظة، أطلب منك طلباً قبل أن أختم الحديث، قبل أن تضع رأسك على الفراش، أو وأنت تنتظر ساعة النوم، أن تُفكِّر في هذه الكلمات، واجعل هذه الليلة آخر ليلة في حياتك:
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيحٍ مات من غير علة وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهرِ
وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نُسجت أكفانها وهي لا تدري
واجعل هذه الليلة بداية حياة جديدة لك بينك وبين الله الميلاد الجديد، اجعل هذه الليلة صفحة جديدة بينك وبين الله، وقل من قلبك صادقاً: يا رب! {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:٨٤] قلها صادقة: يا رب! تبت إليك، قلها وأخرجها من قلبك: يا رب! لا عودة إلى الذنوب والمعاصي، يا رب! من هذه الليلة سوف أحرص على خمسٍ في اليوم والليلة، لن أفارق بيت الله، لن أهجر القرآن، يا رب! لساني بإذنك لن يتلفظ إلا بما أحلَّ الله، فإن زللت وإن غفلت فارجع إلى الرب جلَّ وعلا، فإنه يقول عن نفسه:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}[طه:٨٢]
هذا وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.