أيضاً من علاماتهم: أنهم يفسدون، وإذا أنكرت عليهم قالوا: إنما نحن مصلحون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}[البقرة:١١ - ١٢].
بل يتكلم بأنه الذي يريد الإصلاح لهذه الأمة، وهو يخاف عليها من الفتن، ومن الظلام، ويريد منها أن ترجع إلى الوراء، ويخاف عليها من هؤلاء المتدينين، وهو الذي يريد بهذه الأمة الفساد، وإذا تكلم أحسن الكلام:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}[البقرة:٢٠٤]؛ بل لعله يُصدِّر كلامه بالآية وبالحديث وبسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}[البقرة:٢٠٥ - ٢٠٦].
فهو الذي ينشر الفاحشة في الذين آمنوا، وهو الذي يثير بينهم الفساد والفتن، وهو الذي يبث بينهم السموم، ولكنه إذا تكلم ونطق يقول: أنا المصلح الأمين لهذه الأمة، أنا الذي أريد لها الخير، أنا أخاف عليها من الضياع، أنا أخاف على دينها، كما قال قائده الأول وزعيمه الأكبر فرعون عليه لعنة الله:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر:٢٦] واعجباً من فرعون! يقوم في الناس يقول: أخاف على دينكم، وأخاف أن ينشر بينكم موسى الفساد، أفيخاف فرعون على الناس من الفساد؟! تشابهت قلوبهم، والله يعلم ما يخفون في صدورهم {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:١١٨].