للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفة مع عمر بن عبد العزيز]

الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز تقول عنه زوجته فاطمة: أمسى مساءً -ليلة من الليالي- وقد فرغ من حوائج يومه -انتهى من حاجياته وجاء الليل، والأمر فيه عبرة فاستمع وتخيل- فدعا بسراجه الذي كان يوقد له من ماله ثم قام فصلى ركعتين، تقول زوجته فاطمة: ثم وضع رأسه بين يديه، تخيل شكله وهو جالس والرأس بين يديه، تقول: تسيل دموعه على خده يشهق شهقة أقول: قد خرجت روحه، أو انصدعت كبده، ثم لم يزل كذلك حتى برق الصبح ثم أصبح صائماً، تقول: في ليلة قرأ قول الله جلَّ وعلا: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:٤] تقول: فصاح حتى سقط على الأرض فخفت وظننت أنه قد مات وقد خرجت نفسه.

ثم هدأ فسمعت صوته، ثم أفاق إفاقة، ثم وثب فجعل يدور في الدار يتحرك وهو يقول: ويلي ليومٍ يكون الناس فيه كالفراش المبثوث، تقول: ثم سقط كأنه ميت، فلم يفق إلا على نداء الصلاة، فكلما تذكرت تلك الليلة، بكيت على حاله.

صلى بالناس ليلة -انظروا الآن يا أخوة- عندما نصلي هل نتدبر؟ هل نخشع؟ تدخل المسجد فلا تكاد ترى خاشعاً، تسأل الناس بعد الصلاة ماذا قرأ الإمام -إلا من رحم الله- فلا يمكن أن يجيبك إلا القليل أما البقية فلا.

والذين تذكروا هل خشعوا؟ هل دمعت عيونهم؟ فقرأ قول الله: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] فسكت، فظن الناس أنه نسي، فأعاد الآية: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] فسكت، فظن أنه سوف يعيد ويكمل وهو يكرر الآية ولا يستطيع أن يكملها هل تعرف ما بعدها؟ إنها هذه الآية: {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:١٥] فما استطاع أن يقولها، ماذا فعل؟ بكى ثم ترك هذه السورة وقرأ سورة غيرها.

كان أبو حنيفة -رحمه الله- يقوم الليل كله بآية، تعرف ما هي هذه الآية؟ إنها قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٧] كل الليل في هذه الآية يقومها يا عبد الله.