[بسر بن أرطأة وقتاله للنصارى]
وهذا بسر بن أرطأة، يرى أن جيش الإسلام كلما تقدم كُسِر، وكلما تقدم كُسِر، ما الذي يحصل؟ يأتي كمين من النصارى ولا يدرى أين هذا الكمين! فرجع جيش المسلمين وتحصنوا، فخرج هذا الرجل على فرسه، فرأى إحدى الكنائس وبجوارها براذين من براذين النصارى الفرسان، وعلم أن هذا الكمين مختبئ في تلك الكنيسة، فماذا سيفعل هذا الرجل؟ ربط فرسه عند الكنيسة، ودخل داخل الكنيسة لوحده، وأغلق الباب خلفه، ولما رآه النصارى تعجبوا: ماذا يفعل هذا الرجل؟! فرفع السيف وأخذ يقاتلهم لوحده في الكنيسة، فقتل ثلاثة، وأصيب بمقتلة، وبحث عنه المسلمون فلم يجدوه، فوجدوا فرسه عند الكنيسة، وسمعوا جلبة داخل الكنيسة، فعلموا أنه داخل الكنيسة يقاتل لوحده، فكسروا الباب، ودخلوا عليه وهو يقاتل وهو يمسك بأمعائه، قد شج بطنه وسقطت أمعاؤه فأمسكها بيده وهو يقاتل النصارى بسيفه بيده اليمنى، فأخذوا يقاتلون معه حتى قتلوا النصارى وأسروا من أسروا منهم، فلما جيء به وأرجعت أمعاؤه إلى بطنه وعولج، قال النصارى: ننشدكم بربكم إلَّا أخبرتمونا من هذا؟ قالوا: هذا بسر بن أرطأة، قالوا: والله ما ولدت النساء مثله، والله ما ولدت النساء مثله.
نعم يا عباد الله! إنه سمع قول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} [آل عمران:١٤٢] بغير جهاد! بغير صبر! {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٢].
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنسَ أفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا
قام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال لأصحابه: (وددتُ أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل) {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} [آل عمران:١٤٥].
أيها الأخ الداعية إلى الله: لماذا يمنعك الخوف؟ لماذا تفكر في الموت؟ لماذا دائماً يرهبك هذا العذاب وهذا السجن وهذا الطرد وهذا القتل وهذا الزحف؟ لماذا تخاف من هذا كله؟ ألم تعلم أن الموت مكتوب وأن هذه الجيوش وهذه الأسلحة لن تقدم في موتك ولا ثانية واحدة؟