[عدم التوكل على الله سبحانه]
السبب الخامس: وهو يمنع كثيراً من الناس عن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، ويصيبهم بالضعف والفتور وهو: عدم التوكل على الله:-
يعتمد على أسبابه، يظن أنه إذا دعا اهتدى الناس! لا يا عبد الله! الأمر كله معلق بالله جل وعلا، أسمعت بمؤمن آل فرعون؟! فرعون كان في قصره مؤمن، كتم إيمانه، وخاف، لكن لما اجتمع فرعون والحاشية وكان هو موجوداً، واتفقوا على قتل موسى، هذا الرجل ما استطاع كتمان الإيمان، فأظهر إيمانه وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر:٢٨] أتفعلون هذا الفعل في رجل يدعو إلى الله جل وعلا؟! أتسجنون هذا الرجل؟! ما جريمته؟! ألأنه دعا إلى الله جل وعلا تطردونه، وتضربونه، وتقتلونه، وتستهزئون به؟! هذا المؤمن الداعية إلى الله جل وعلا ما تحمل وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر:٢٨].
وأخذ يجادلهم، وأخذ يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويناقشهم، ويقنعهم بالدعوة إلى الله، وبصحة هذا الدين، وفي النهاية ماذا قال؟ {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر:٤٤] قال: ستذكرون هذا الكلام، وأنا أفوض أمري إلى الله، ومتوكل على الله جل وعلا، أنا فقط عليَّ البلاغ، ومتوكل على الله.
قبل قليل قال لهم: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩].
عباد الله: يقع زلزال في خمس ثوانٍ فيدمر جميع البيوت، هذا جندي من جنود الله، فهذه ريح أرسلها الله على قوم عاد سبع ليالٍ وثمانية أيام دمَّر الله القرية كلها، حتى إنه كانت الريح تأخذ الواحد منهم إلى أعلى السماء ثم تطرحه على الأرض فينفصل الرأس عن الجسد.
العجوز كانت تختبئ في البيت من شدة البرد، ريحٌ صرصر بارد، تجلس في البيت فتغلق الباب على نفسها، وتشعل النار، فتموت من البرد وهي في بيتها.
وسمعتم بذلك الرجل، الذي قتل، وقد قدمنا قصته أول المحاضرة، هل أرسل الله عزَّ وجلَّ جيشاً؟! هل أرسل الله ملائكة؟! هل أرسل الله عزَّ وجلَّ عباداً له؟!
لا يا عباد الله! انظر ماذا قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس:٢٨] ما أنزل الله ملائكة.
ماذا فعل الله؟!
{إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:٢٩] صيحة واحدة، جندي من جنود الله جل وعلا: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١].
توكل على الله، وفوض أمرك إلى الله جل وعلا، وإياك إياك أن تعتمد على حساب الماديات، تعتمد على حولك وقوتك ونشاطك وذكائك! لا يا عبد الله.
انظر إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، رمي في النار بالمنجنيق، شهر كامل يجمعون الحطب لحرق إبراهيم، فلما جمعوا الحطب وأشعلوا النار، يمر الطير من فوق النار فيسقط من حرارتها، إبراهيم ما استطاعوا أن يأتوا إلى النار فيقذفوه فيها، بل رموه بالمنجنيق، فلما كان في الهواء جاءه جبريل في اللحظة الأخيرة، قال: ألك إليَّ حاجة؟ -جبريل ينقذه الآن- فقال إبراهيم: أما إليك فلا، وأما إلى الله فنعم: حسبي الله ونعم الوكيل، فلما سقط في النار، قال الله جل وعلا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:٦٩ - ٧٠].
توكل على الله أيها الداعية، لا تقل: أنا بقوتي وبنشاطي وبعملي سوف أكره الناس جميعاًَ! لا يا عبد الله! {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:٩٩] ما تستطيع يا عبد الله!
إذاً توكل على الله تبارك وتعالى.