[العودة العودة إلى طاعة الله]
{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧].
نحن ماذا فعلنا يا إخوان؟! {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:١٧ - ١٨] لِمَ يأتيك الضيق وذلك الهم؟ سل نفسك: كم تعبد الله جل وعلا؟
تأتي عائشة فتقول: (يا رسول الله! هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠] قالت: هؤلاء الذين يسرقون ويزنون ويقتلون، قال: لا يا بنة الصديق! هم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويخافون ألا يتقبل الله منهم).
ابن عمر يتصدق فيقول له ابنه: [تقبل الله منك يا أبي، فضحك، وقال: لو علمت أن الله تقبل مني ما كان غائباً أحب إلي من الموت] لو علمت أن الله قبل مني حسنة لكنت أتمنى الموت، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧] لا تقل لي: يا شيخ! ضيقت باب التوبة، يا شيخ! أين الرجاء؟ يا شيخ! أين رجاء رحمة الله جل وعلا؟
أقول لك: نعم، الله وصف نفسه بأنه غفار، ولم يقل غافر، بل قال: غفار، لكن لمن؟ اسمع: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:٨٢] أولاً: تب إلى الله، فهل يعقل أن يكون صالحاً وهو لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس؟!
هل يمكن أن تتصور صالحاً تمر عليه السنة لم يختم القرآن مرة؟!
هل تتصور صالحاً يكبر للصلاة ويفكر في الدنيا؟!
هل تتصور -يا أخي الكريم- صالحاً يرى منكراً في مجلس ويجلس فيه؟!
أيها الأخ الكريم: اتق الله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:٨٢] فقط؟ لا {لِمَنْ تَابَ} [طه:٨٢] فقط؟ لا {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢].
أيها الإخوة الكرام: هذه جلسة محاسبة، وهي موعظة لعلها تخرج من القلب إلى القلب، وما ندري قد لا نلتقي بعد هذه اللحظات، بل قد لا تلتقي بأهلك، بل قد لا تخرج من هذا المجلس.
هنيئاً لمن جلس في هذا المكان واستمع هذا الحديث، وقالها من قلبه ندماً وحسرة: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:٨٤].
هنيئاً لمن عاهد الله وهو يستمع إليه ألا تضيع منه ليلة إلا بركعات أول الليل أو آخره.
هنيئاً لمن عاهد الله ألا يهجر القرآن، هنيئاً لمن عزم الآن ألا تفوته صلاة جماعة في بيتٍ من بيوت الله.
هنيئاً لمن عزم الآن وهو جالس أن يخرج تلك الصور وتلك الأفلام وأن يخلص بيته من ذلك الجهاز الخبيث.
هنيئاً لمن عاهد الله ولمن استقام على أمر الله جل وعلا: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:١٨] لن أقول لك: سوف تأتينا فرصة رمضان، فلعلنا لا ندرك رمضان يا أخي الكريم! أقول لك: فرصة هذه الليلة، فرصة هذا المجلس، فرصة قبل رجوعك إلى البيت، فما تدري.
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ
فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيمٍ عاش حيناً من الدهر
وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبرِ
وكم من عروسٍ زينوها لزوجها وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وجزاكم الله خيراً.