[عدم التأثر بالقرآن أو المواعظ]
من علامات ضعف الإيمان في الإنسان: أنه يقرأ القرآن أو يسمع المواعظ ولا يتأثر؛ تقرأ وتتلى عليه الآيات البينات وهو لا يتأثر، لأن المؤمنين كما قال الله عز وجل عنهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:٢] إذا كان قلبك لا يوجل فاعلم أنه ضعيف الإيمان.
كان بعض السلف إذا توضأ الواحد منهم أو أذن المؤذن، كان يصفر وجهه من الخوف، يقول: أتدرون بين يدي من أقف؟ {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:٢] يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: (اقرأ، قال: أأقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري، فأخذ - ابن أم عبد رضي الله عنه- يقرأ ويقرأ حتى دخل سورة النساء، فقرأ قوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:٤١] قال: حسبك! قال: فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان) يبكي عليه الصلاة والسلام.
يمر في الليل على الناس، فيسمع عجوزاً تقرأ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:١] تردد الآية، وهي لا تستطيع أن تكملها، وهو يقول عليه الصلاة والسلام وهو يبكي: نعم! أتاني نعم! أتاني نعم! أتاني.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم ليلة كاملة بآية يُرددها ويبكي: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].
تقول عائشة: (سمعته يبكي في السجود، وهو يقول: أمتي أمتي).
هذه من علامة ضعف الإيمان! أنك تسمع القرآن فلا تتأثر، تُصلي خلف الإمام ولا تدري ماذا يقرأ؟ بل لعلك تدعو وتستعيذ من النار في السجود ولكن قلبك يُفكِّر في الدنيا هذا من علامة ضعف الإيمان.
أبو بكر رضي الله عنه: انظروا أفضل الناس بعده! أبو بكر، يقول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس، تقول عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر -أبوها- رجل أسيف) لا يتحمل الصلاة، إذا صلى وقرأ القرآن بكى، هذا أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
عمر رضي الله عنه، وما أدراك ما عمر؟
صلى في الناس صلاة الفجر، فأخذ يقرأ في سورة يوسف، حتى وصل إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:٨٦] فتوقف وأخذ يبكي رضي الله عنه حتى بكى الناس من خلفه، هكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
علي بن الفضيل بن عياض يُقال عنه: إنه كان يُردد الآية عشرين مرة.
وهذا عمر بن عبد العزيز، قام ذات ليلة من الليالي، فأخذ يقرأ قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:١] حتى بلغ قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] فلم يستطع أن يكمل السورة، فأعادها مرة أخرى، حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] فأعاد السورة مرة ثالثة، وأخذ يعيدها ويعيدها، ولم يستطع أن يُكمل السورة، فتركها وقرأ سورة غيرها.
وورد أيضاً عن أحد السلف أنه كان يقرأ قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ} [الأنعام:٢٧] فخرجت روحه، ولم يستطع أن يكمل هذه الآية قتلته آية، ولعلَّ الأمر فيه مبالغة، لكن لا نريد هذه السورة إنما نريد من الإنسان -يا إخواني- أن يتأثر.
علامة ضعف الإيمان أن يقرأ الإنسان كلامه تعالى آيات تدك الجبال، قوله تعالى: {أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} [العاديات:٩ - ١١] أتعرف ما في الصدور؟ ما في الصدور مما كنت تُفكِّر من معاصٍ.
أتعرف ما في الصدور؟
ما كنت تخفيه بينك وبين نفسك، تعصي وتظن أن الله لا يراك.
أتعرف ما في الصدور؟
يُبدى أمام الله عز وجل يوم القيامة، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].
القرآن يا إخوة! تريد أن تعرف علامة أو قوة إيمانك؟ اعرض نفسك على القرآن هل تتأثر عندما تقرأ؟
هل تتأثر عندما تسمع القرآن؟
هل تتأثر عندما تصلي عند الإمام؟ هل تخشع؟ {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣].
كان عمر بن عبد العزيز يقوم الليل، فأخذ يبكي، فبكى أهله كلهم إشفاقاً عليه، وأبكى الجيران، وفي الصباح سُئِلَ رضي الله عنه: ما يبكيك رحمك الله؟
فقال: كنت أقرأ قوله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧]، وتفكرت! فكنت لا أدري إلى أيهما أصير؟ هل أنا من فريق الجنة، أم من فريق السعير؟
بل تقول زوجته فاطمة: كان ينتفض من فراشه كما ينتفض العصفور، فَيُصلي فيبكي حتى تقول عنه زوجته: كنت أظن أن روحه سوف تخرج منه فيُصرع، ثم يقوم فيصلي، فيبكي حتى تكاد روحه تخرج منه، تقول: وهكذا يبكي حتى يسمع أذان الفجر، ثم يذهب إلى الصلاة انظروا إلى حالهم! {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤].
والله لو أنزل القرآن على جبل لتصدع فما بال هذا القلب! إنها الذنوب.
أيها الأخوة! أصبح الواحد منا يقرأ القرآن وكأنه يقرأ جريدةً، بل لو سمع قصة لتأثر، أما حين يسمع أحسن القصص فلا يتأثر، لو سمع عن عدو لخاف، أما حين يسمع عن عذاب الله فلا يخاف، يسمع عن النار: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] إذا سمع آيات العذاب وآيات الوعيد، {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٣] هكذا المؤمن إذا سمع: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:٢١] اقشعر الجلد! لا يتحمل هذه الآيات يخاف، ثم بعد قليل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:٣١] يلين الجلد، ويهدأ القلب ويسكن، ويرجو رحمة الله.
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام الليل قرأ بسورٍ طويلة -بالسبع الطوال- فإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله، وإذا مر بآية رحمة سأل الله من فضله هكذا كان يتفاعل مع الآيات، أما بعض الناس من ضعيفي الإيمان -ونحن منهم نسأل الله العافية- لو تسأله: ماذا صلى الإمام في صلاة العشاء؟ ماذا قرأ! فإنه لا يعرف شيئاً منذ متى خلوت بنفسك لتقرأ القرآن وتذكر الله؟ (ورجلٌ ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) يبكي من خشية الله هل وصلنا إلى هذه الدرجة؟! اعرف إيمانك يا عبد الله.