[السلف الصالح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
انظروا -يا عباد الله- إلى منهج سلفنا الصالح كيف كانوا يعيشون؟ ولمن كانوا يعيشون؟
إن قدوتهم هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع مني مقالة -حديثاً واحداً- فبلغه، وفي رواية: سمع مقالتي فبلغها، فربَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع) لعل الذي تخبره وتعلمه وتدعوه إلى الله يكون أوعى وأفهم منك، ويستجيب أكثر منك.
هذا الخرقي رحمه الله؛ صاحب متن المغني، الذي يقرؤه كثيرٌ من طلبة العلم، وأين هم عنه؟! هذا الرجل أتعرف كيف مات؟ لقد مات بمنكر أنكره في دمشق، فضربه الناس فقتلوه، هكذا كانت موتته.
وهذا أبو بكر النابلسي -رحمه الله- أحد العلماء الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، كان لا يخاف في الله لومة لائم، كان يصدع بالحق وبما يؤمر ويعرض عن المشركين، فاستدعاه الحاكم الفاطمي فقال له: سمعنا أنك تقول: من كان له عشرة أسهم فليرمِ النصارى بتسعة ويرمينا بواحد، أصحيح ما يقال عنك؟ قال: لا والله، هذا غير صحيح، لم أقل هذا.
قالوا: فماذا قلت؟ قال: قلت: من كان عنده عشرة أسهم فليرم النصارى بسهم، وليرميكم بتسعة أسهم -ولم يخف في الله لومة لآئم- فجيء بيهودي أشد الناس عداوة للمؤمنين، فصلب هذا الرجل، وعلقه على خشبة أمام الناس، وأمر اليهودي بسلخه وهو حي، فبدأ يسلخ الجلد من رأسه وهو حي، ثم من وجهه وهو حي، حتى وصل إلى صدره، وكان هذا الإمام يقرأ وهو يسلخ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} [الأحزاب:٦] فرأف اليهودي لحاله فطعنه بخنجرٍ في قلبه فمات، أتعرف لماذا؟ لكلمة حق قالها، لأمر بالمعروف ولنهي عن المنكر.
ألا يا من ينشدون السلامة! ويريدون العافية! أتعرف ما مصير أولئك؟ {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} [يس:٢٦] * {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:٢٧].
ألا يا من يخاف أنه إذا أمر بالمعروف على وظيفته! ألا تعلم أن رب الأرض والسماء قد قدر لكل نفسٍ رزقها، ما من نفسٍ منفوسةٍ تموت حتى تبلغ أجلها ورزقها، لا ينقص من أحدٍ حبة ولا درهم ولا دينار.
اسمع إلى الإمام القاضي محمد الحبلي عليه رحمة الله جاءه الأمير، فقال له: إن الناس غداً سيفطرون في ليلة الثلاثين من رمضان، فقال رحمة الله عليه: لم نر الهلال، قال: ولكن المنصور كتب إلينا أن نفطر غداً، وتقوم وتصلي بالناس.
قال: لم نر الهلال، وديني ومبدئي وعقيدتي هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته) وكان يشير إلى أهل الحساب، فلما كان الصباح أمره فلم يخرج، ودعوه فما استجاب، فأخذ الأمير أحد الناس فصلى بهم، وكتب إلى المنصور أن فلاناً فعل كذا وكذا وحرض الناس، فجاء المنصور بهذا الرجل وأوقفه أمامه، وقال له: تنصل وأعفو عنك -أي: اعتذر- قال: لا والله لا أعتذر.
فصلبه المنصور، فأخذه العطش والناس ينظرون إليه ولا يستطيع أحد منهم أن يقترب منه، فأحرقته الشمس وهو يتعذب، ويستغيث بالماء ولم يغاث، حتى مات هلكاً من الجوع والعطش أمام الناس مصلوباً معلقاً.
قال أبو بكر رضي الله عنه: (يأ يها الناس! إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه -والظلم درجات، أعلاه الشرك بالله، فتارك الصلاة ظالم، ومن يأتي العرافين والكهنة ظالم، وآكل الربا ومن يعمل المعاصي ظالم، والزاني ظالم، وآخذ الرشوة ظالم، والمجاهر بالفسق والمعاصي ظالم- أوشك الله أن يعمهم بعقابٍ من عنده) والحديث صحيح موقوف وله حكم الرفع.
عباد الله: نعم والله، إن حكم الله في هذه الأمة هو في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] ليس لنفسها إنما هي للناس لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] فخيرية هذه الأمة وأفضليتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أقول هذا القول، وأستغفر الله.