[أضرار الذنوب والمعاصي]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
كيف تحفظ المؤمنة نفسها من الذنوب والمعاصي؟
من منا لا يذنب؟! ومن منا لا يعصي الله جل وعلا؟! بل لقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)؛ بل قال عليه الصلاة والسلام: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) بل حتى التقية الورعة؛ بل أتقى النساء لا بد أن تقع في الذنوب والمعاصي، والله جل وعلا لما وصف المؤمنين الأتقياء الورعين، ذكر أن من صفاتهم أنهم يقعون في الفواحش، أو ظلم النفس، وأقل الأمر أنهم يقعون في الظلم وهي الصغائر.
يا أمة الله! اسمعي إلى المتقين لله جل وعلا إذا وقعوا في الذنوب والمعاصي ماذا يفعلون؟
قال الله جل وعلا في وصفهم: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥] لكن هناك علامة للمتقين أنهم إذا وقعوا في الذنب: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] بل إن الفرق -بين المؤمنة التي تذنب والفاجرة التي تذنب- كبير، يقول ابن مسعود: [المؤمن يرى ذنبه كأصل جبل يوشك أن يقع عليه، والمنافق الفاجر يرى ذنبه كذبابٍ وقع على أنفه، فقال به هكذا] أرأيت إلى الفرق بين هذه وتلك؟! كلاهما تعصي الله جل وعلا، لكن الأولى إذا عصت خافت، وندمت، ووجل القلب، واستغفرت، وعملت الصالحات؛ لتكفر ما عملت من ذنوب، أما تلك فإنها ترتكب المعاصي والذنوب، والفواحش والظلم، ولكنها تبتهج وتفرح وتسر بتلك المعاصي.
أختي الكريمة: اعلمي أن لهذه الذنوب والمعاصي أضراراً وسواداً في الوجه وظلمة في القلب.
لقد وصف الله عز وجل أولئك الذين ابتعدوا عن شرعه، وانتهكوا محارمه، ووقعوا في الذنوب وأسرفوا فيها، يصف الله عز وجل حياتهم، ومعيشتهم في هذه الدنيا، فيقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤] تجدينها من الصباح إلى المساء وهي تسمع الأغاني إذا ركبت السيارة لا تسمع إلا الأغاني، وكلما رأت الرجال تلتفت وتنظر إليهم يمنة ويسرة، لا تحب أن تخرج من بيتها إلا متعطرة متبرجة كاشفة عن شعرها وذراعيها؛ لتقول للناس: انظروا إليّ إذا خرجت من بيتها ورجعت لا تعرف ذكراً، ولا تتذكر صلاةً، ولا ترعى لله عز وجل حرمه كيف تعيش أم كيف تحيا؟
إذا جاءت إلى البيت نامت ولم تستيقظ إلا في الليل، لا تعرف صلاة العصر ولا صلاة المغرب، ثم إذا استيقظت من نومها جلست أمام التلفاز إلى منتصف الليل، أو كلمت فلانة، أو تجولت في السيارة، تسألينها: لمَ كل هذا يا أمة الله؟!
تقول: عندي ملل، وضيقٌ في الصدر، ولا أحس بلذة في الحياة، أتعلمين ما هو السبب؟ قال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].
وهذا رجل كافر بحث عن السعادة في الدنيا، وبحث عن أسبابها، فألف كتاباً أسماه: دع القلق وابدأ الحياة، هذا الرجل الكافر ألف هذا الكتاب ليبين فيه أسباب السعادة في الدنيا، فيقول: دع القلق،! اترك الهم اترك الغم، وإذا به بعد أن ألف الكتاب يربط حبلاً في غرفته فيشنق نفسه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤] يعيش كما يعيش الناس تأكل وتشرب وتلبس أحسن الملابس، وتسكن أحسن القصور، وتركب أفخر السيارات، إذا مشت لا تتكلم إلا في الدنيا ومتاعها تضحك ملء فمها ولكن القلب حزين، والصدر قد ضاق بالمعاصي، وضاقت عليها الدنيا بما رحبت {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤].
أمة الله: سلي أصحاب المعاصي والذنوب: هل أنتن في سعادة؟ ائتِ إليها واجلسي معها، وقولي لها: تسافرين إلى أي مكان تشائين، وتنظرين إلى أي فيلمٍ تحبين، وتستمعين إلى أي أغنية لا صلاة ولا زكاة، ولا قرآن ولا التزام بشرع الله، فهل أنت الآن في سعادة؟ تخبرك وتقول لك: لا والله! قد ضاقت علي الدنيا بما رحبت، بحثت عنها فلم أجدها، لا أدري أين هذه السعادة واجلسي مع أمة الله الصالحة اجلسي مع تلك المحجبة، التي إن قامت فإنها تقوم لصلاة الفجر، وإن ذكرت في نومها فإنما تذكر الله جل وعلا، تنام على ذكر الله، وتستيقظ على ذكر الله، تغض بصرها عن الحرام، سليها: هل أنتِ في راحة وسعادة؟ لا أراك تضحكين، ولا تلهين في الدنيا كما تلهو غيرك، هل أنت في سعادة؟ تقول لك: إي والله! لو كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه والله إنهم لفي عيش طيب!! {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].
أمة الله: هذه بعض أضرار المعاصي والذنوب، ناهيك عن الأضرار التي تأتي يوم القيامة، وفي القبر والمحشر، وسوف نعرج عليها إن شاء الله.