[صور لمن لاقوا عقوبة المخدرات الدنيوية]
أخي الكريم! أما في الدنيا فعذاب وألم، وأظن أنك تستمع إليّ الآن وتقول لي: يا شيخ! من قال لك؟ نحن نفرح ونتمتع، نحن نسعد ونلهو، نحن نطير في الهواء، أقول لك: كذبت، ولم تصدق نفسك، فإن هذه السعادة سعادة موهومة.
أذكرك بتلك اللحظات التي تتقلب فيها على الفراش، أذكرك بوقت تكون فيه أنت لوحدك في غرفة مظلمة، تحس أن الدنيا قد ضاقت عليك بما رحبت، أذكرك لما نقصت عليك المادة ولم تحصل على بعض الحبوب، كيف تألمت؟! وكيف تعذبت؟!
أذكرك يا أخي! وأنت تحاسب نفسك وتعاتبها، ماذا تفعلين إذا قدمت على الجبار؟
صليت المغرب يوماً، فجاءني شاب قال لي: يا شيخ! أريد الحديث معك، قلت له: تفضل، قال: لا.
عندي شخص آخر يريد أن يجلس معك، قلت: الآن؟
قال: لا.
بعد أن يخرج الناس.
فلما خرج الناس بعد صلاة المغرب جلست معه في زاوية المسجد، فإذا بالثاني يخرج لي هوية من جيبه، فنظرت إليها.
قال لي: يا شيخ! انظر إلى الصورة!
نظرت إلى الصورة -وأنا في المسجد- فإذا فيها وجه حسن جميل مضيء، والذي أمامي وجه مخيف مفزع قبيح مظلم.
قال لي: يا شيخ! أرأيت الصورة؟
قلت: نعم.
قال: هذا أنا.
قلت: مستحيل!
قال: والله وأنا في بيت الله هذه الصورة صورتي.
قلت: يا أخي! ليس في وجهك شبه أبداً، وما أحببت أخبره أن الصورة أجمل وأحسن بكثير من الوجه الذي أمامي نور في الصورة وظلام أمامي.
قلت له: حدثني عن خبرك؟
قال لي: يا شيخ! كان لي رفقة عند بيتي، فجئتهم يوماً من الأيام، أشرب معهم الشاي كالعادة، يقول: لكن الشاي لم يكن كالعادة، وأحسست فيه بلذة.
يقول: فجئت في اليوم الثاني أرجو أن أشرب من نفس الشاي، فشربت منه وأحسست بلذة أكبر، وكأن نفسي أصبحت خفيفة، وهكذا في اليوم الثالث والرابع، حتى أدمنت على شرب هذا الشاي، ولكن لا أدري ما الذي به؟!
يقول: وفي يوم من الأيام قدمت إليهم أسألهم عن هذا الشاي.
قالوا لي: يا فلان! أتعرف ماذا بهذا الشاي؟
قلت: لا.
قالوا: به حبوب، قلت: ماذا يعني حبوب؟
قالوا: حبوب مخدرات.
فقلت: الآن أنا لا أستطيع أن أتخلص منه فما الحل؟
قالوا: نعطيك منها لا تخاف، الحبوب متوفرة.
قلت: إذاً أعطوني.
قالوا: ادفع الثمن! أوقعوه الآن في حبالهم.
قال لهم: ليس عندي أموال.
فقلت له: ومن أين كنت تأتي بالمال؟
قال لي: يا شيخ! كنت أطلب من الوالدة، من الوالد، وكانوا يعطوني في بادئ الأمر.
قلت: ثم ماذا؟
قال: بدأت أسرق منهما.
ثم من غيرهما، ثم أستدين وأسرق!!
قلت: إلى أي درجة؟
قال: ثم قالوا: لي يوماً من الأيام؟ إن أثقلتك الأموال فهناك طريقة أخرى.
قلت: ما هي هذه الطريقة؟
قالوا لي: تروج لنا المخدرات ونحن نعطيك.
قال: كيف؟ علموني الطريقة.
يقول: ثم بدأت أروج المخدرات وأنا لا أشعر.
قلت له: لِمَ لا تتوب؟
قال: يا شيخ! جربت التوبة، ولكن!
قلت: ما الذي منعك؟ قال: السلاح.
قلت: ماذا تقصد؟
قال: يهددوني بالقتل إن لم أستمر في هذا الترويج.
وهذا الرجل إن استمر على حاله يبعث عند الله جل وعلا، أتعرف كيف؟
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٧ - ٢٨].
يا ليتني ما عرفتهم! يا ليتني ما جلست معهم! يا ليتني ما صاحبتهم! يا ليتني ما سلمت على فلان يوماً من الأيام! لكن ولات ساعة مندم: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً} [الفرقان:٢٨] يسميه عند الرب جل وعلا: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٨ - ٢٩].
إذا دخل هذا الشاب وأمثاله إلى جهنم يقول: يا رب! لي طلب، فما هو طلبه؟ {رَبَّنَا أَرِنَا} [فصلت:٢٩] يرى من؟ {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} [فصلت:٢٩].
يا رب! أريد أن أرى ذلك الرجل الذي أعطاني الحبة أول مرة؟ وسقاني ذلك الكأس؟ وعلمني طريق المخدر؟
يا رب! أريد أن أراه إما في المحشر وإما في جهنم، يتمنى أن يراه تظن لمَ؟
أليصافحه، أليصادقه، أليعانقه بعد فراق طويل؟
لا.
اسمع لماذا يطلب رؤيته يوم القيامة: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} [فصلت:٢٩] أطأ عليهما برجلي، ولِمَ؟
{لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} [فصلت:٢٩].
لكن الآن لا ينفعه كل هذا، لطالما جاءك الصالحون، وأعطوك الشريط، وأهدوك تلك الكلمات، ونصحوك تلك النصائح، ولكن أبيت وعصيت واستكبرت إلا أن تستمر مع هؤلاء: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨] إلى أين؟ إلى جهنم.
كلما دخل رجل لعن صاحبه: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً} [الأعراف:٣٨] إذا تجمعوا كلهم في جنهم؛ ماذا يطلبون؟ {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا} [الأعراف:٣٨].
يقول في جهنم: يا رب! يا رب! هؤلاء الذين دلوني على تلك المجالس وتلك المستنقعات.
يا رب! هؤلاء الذين أعطوني هذه الحبوب، وعرفوني ذلك الطريق.
يا رب! {فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} [الأعراف:٣٨] يا رب! ضاعف لهم العذاب في النار.
ماذا يقول الرب؟ {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٨].
أتظن يا أخي الحبيب! أن القضية تنتهي عند حبة وتقف؟ لا.
القضية أكبر وأدهى وأمر، فالحبة هي الخطوة الأولى للإدمان، وهذه هي بداية الطريق، وإلا فالطريق مظلم وموحش، رأيت صورةً من الصور، عرضها أحد المشايخ الفضلاء لشاب مدمن، مات أثناء إدمانه لأن الإدمان -ولعلك وأنت تسمعني تعرف هذه الحقيقة- يحتاج إليه الإنسان كل يوم أكثر من الذي قبله، يحتاج أن يزيد ويزيد، حتى يصل إلى حد يقتل الإنسان نفسه.
وكم نسمع في الأخبار: أن شاباً وجدت جثته في مزبلة، وآخر في محرقة، وثالث رُمي في المسجد، ورابع عند المستشفى، وخامس قبل شهر قتل ورمي في الصحراء، وسادس وسابع
وإحصائيات القتلى تزداد يوماً بعد يوم، لا تقل: لا.
أنا أضمن نفسي.
لا تقل: لا.
أنا سوف أتوب قبل الموت، وما يدريك فقد يذهب عقلك ثم تسقط على الأرض وتفارق الدنيا، أحدثك عن الصورة التي رأيت، أتعرف كيف مات هذا الشاب؟
أيها الأخ العزيز! هذا شاب وهو يتعاطى المخدرات، وزاد في جرعة الإدمان والتعاطي فسقط على الأرض وأحس بألم وتعصر حتى انفجر مخه، وبدأ يسيل ما في مخه من أنفه، ورأيته بالصورة، انظر كيف تعذب في الدنيا قبل الآخرة.
إن رأيت المنظر لا تتحمله ولعلك ما تطيق طعاماً بعده، أتعرف لِمَ؟
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٤].
وآخر رأيت صورته جالس في شقته داخل غرفته، كان يتعاطى، حاله حال المتعاطين المدمنين، ولكنه زاد في الجرعة شيئاً ما، يريد أن يتلذذ، يريد أن يشعر بتلك السعادة، وإذا به يتعاطى جرعة زائدة، فإذا به يموت في غرفته، ما شعر به أحد، ما صلى عليه أحد، ما دفنه أحد، ظل أياماً في غرفته ميتاً، أنتنت الجيفة.
أتعرف كيف عرفوا قصته؟
وجدوا رائحة منتنة تخرج من الغرفة، والذباب قد تجمع على الباب، كسروا الباب، فإذا بهذه الجثة التي ظلت أياماً والنمل يأكلها من كل جانب، ورأيت هذا المنظر بعيني أيها الإخوة.
منظر ما أقبحه! في هيئة الساجد، على أدوات المخدرات، والنمل يأكله من كل جانب! أعوذ بالله من تلك الميتة، أرأيت إلى خاتمتهم! هل هذا عاش بسعادة كان يرجوها، أين السعادة؟! أين النعيم؟!
يا مسكين! يا من تبكي الليالي والأيام! اجلس مع بعض الصالحين، حدث بعض الأخيار، قل للذين يبكون في الصلاة، ويقرءون القرآن، ويسافرون إلى العمرة: هل وجدتم تلك السعادة التي أبحث عنها؟
أتعرف ماذا سيقولون لك؟
يقولون: لو كان أهل الجنة في مثل ما نحن فيه إنهم والله لفي عيش طيب.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] تقول: أنا ضامن نفسي إن شاء الله ألا أموت وأنا أتعاطى المخدر، اسمع الإحصائيات لوزارة الداخلية: أكثر من ألف وتسعين شخصاً ماتوا بسبب المخدرات في الكويت، من الذي يضمن لك أنك لا تكون أحد هذه الأرقام القادمة؟
أخي الكريم: إن كثيراً من المتعاطين يفقد عقله فيفعل ما لا يفعله أي عاقل، بل لو كان يدري عن نفسه لقتل نفسه قبل أن يفعل هذه الفعلة، وكم سمعنا من أخبار متعاطيي المخدرات من أتى على محارمه، واسمع يا رعاك الله! اسمع فتح الله قلبك للإيمان، اسمع إلى قصة هذا المدمن، الذي كان شاباً صغيراً لم يعرف شيئاً عن الإدمان يوماً من الأيام.
تُوفي أبوه فرعته أمه، كانت تعطيه بعض المال، ليبحث عن حرفة له ليعمل بها، وكانت أمه المسكينة تبحث له عن السعادة.
هذا الشاب تعرف على رفقة سيئة؛ بدأ بالتدخين، ثم بدأ يدمن معهم المخدرات، ووقع في ذلك الوحل وأمه لا تدري، دخلت عليه يوماً من الأيام في الغرفة، فإذا بها تجده في وضع غريب، يشرب دخاناً ليس كالدخان الذي تعرفه -الحشيش- عرفت الخبر، نصحته، ذكرته بالله، خوفته بيوم القيامة والنار والقبر، لكنه ما خاف من عذاب الله جل وعلا.
جاءها يوماً من الأيام وطلب منها المال، فقالت له: يا بني! لن أعطيك المال، وأنت على هذه الحالة؟ تب إلى الله ثم أعطيك المال.
قال: أعطيني رغماً عنك.
وأنتم تعرفون أن المدمن على المخدرات إذا انقطع عن الإدمان لا يشعر بنفسه، ويصبح كالوحش المفترس.
جاءها يوماً من الأيام، قال: تعطيني؟ قالت: لن أعطيك، ضربها وأخذ ذهبها، وباعه واشترى به المخدر، بكت أمه عذاباً وحسرة وألماً.
أيها المدمن! تذكر هذه الأم المسكينة، التي خلفتها في البيت وهي تبكي عليك، تذكر كم كانت ترعاك، وكم كانت تسهر على من أجلك.
كم كانت تفرح وتتمنى أن تكون مثل فلان الطبيب، وفلان المهندس، وفلان الداعية، وفلان المصلي الراكع الساجد، كانت تسمع أخبار جاراتها: هذه ولد لها حفظ القرآن، وآخر ذهب إلى العمرة، وثالث يدعو إلى الله، ورابع صار طبيباً، والآخر صار مهندساً، وهذا يدرس الناس في المدارس.
أما أنت تذكر يا أخي الكريم! واعلم أن أمك تبكي عليك دماً وأنت لا تدري.
جاء يوماً من الأيام وقد فقد عقله، فدخل على أمه في الغرفة، قال لها: أريد مالاً، قالت له: لن أعطيك؟ أخذ يضربها، قالت له: ماذا تريد؟
أتعرف ماذا كان يريد في تلك الحالة؟ وأُجِلُّ المسجد عن هذه الحكايات، ولكن لا بد من إخبارك بها.
هذا الشاب فقد صوابه وأراد أن يهتك عرض أمه!
واسمحوا لي رواية القصة أيها الإخوة! فإن المجتمعات مليئة بهذه القصص!
حاول أن يعتدي على أمه مزق ثيابها هربت أمه من البيت، إلى أين وهي تبكي لا تدري أين تسير؟
توجهت إلى بيت ابنتها المتزوجة، دخلت بثيابها ممزقة، وهي تحدث نفسها: ماذا أقول لابنتي؟ ماذا أقول لزوجها؟
دخلت وهي تقول لهم: دخل علينا لص البيت وأراد أن يسرق الأموال، فهربت ولجأت إليكما، كذبت عليهما -قلب الأم- وفي الصباح أخبرت ابنتها بالخبر الصحيح.
ظلت أياماً في بيت ابنتها وما رجعت إلى البيت، وبعد أيام قالت لابنتها: نرجع إلى البيت، رحمت ابنها وتذكرته، عطفت الأم على الولد، فهي لا تنسى ولدها مهما كان.
رجعت إلى البيت هي وابنتها، فإذا بالبيت قد بيع أثاثه وأجهزته كلها، باع الولد كل ما في البيت ليشتري بعض الحبوب.
أرأيت نهاية التعاطي والإدمان، واسمع فلم تنته القصة
هذه الأم دخلت البيت وجلست تبكي على حال ابنها، وفي لحظة من اللحظات دخل الابن إلى الشقة، فإذا به يجد أمه وأخته، وابنة أخته الصغيرة، دخل على أمه وحاول أن يضربها على ما فعلت فيه، قال: أعطوني المال.
قالت الأم: لن نعطيك شيئاً؟
قال: أنا محتاج إلى المال، أريد أن أشتري
قالت: والله ما نعطيك، فإذا به يحاول الاعتداء على أخته، ويهدد أمه، إما أن تعطيني شيئاً من المال وإلا اعتديت عليها، بكت أمه صاحت استغاثت استنجدت وأخذ هو يضرب أخته حتى يواقعها مزق ثيابها والأم المسكينة لا تدري ماذا تفعل؟
ابنها أو ابنتها، أو العار، أو الفضيحة، أخذت تتصارع الأم في قلبها ماذا تفعل؟
والبنت الصغيرة تنظر إلى أمها وتبكي، ماذا يفعل خالها؟! ماذا يفعل بأمها؟!
ما كان من الأم إلا أن ذهبت إلى المطبخ وأخذت سكيناً وهي تصارع نفسها، والولد قد فقد وعيه، ولا يدري ماذا يفعل؟
فجاءت إلى ابنها وفلذة كبدها، وطعنته عدة طعنات، وأخته تنظر، والبنت الصغيرة تنظر ما الذي جرى، بعد ثوان معدودة الغرفة تسيل بالدماء، الرجل مات، أخته ممزقة الثياب، البنت الصغيرة تبكي، الأم منطرحة على الفراش تبكي مآساة وأي مأساة.
أيها المدمن! انتبه، فإنك تضيع نفسك وأهلك، وكثير منهم من باع عرضه، وكثير منهم من أرغم زوجته على وحل الدعارة، لتقبض بعض الأموال ليشتري المخدرات.