[بعض الآداب في التعامل مع الوالدين]
هذا أبو هريرة يبصر رجلين، فقال لأحدهما: من هذا منك؟ فقال: إنه فلان أبي، فقال: لا تسمه باسمه، ولا تناد أباك باسمه، فلا تقل: يا فلان! بل تسميه بصفته فتقول: يا أبي أو يا أبتاه.
فيعتبر أبو هريرة هذا عقوقاً، وهذا من تمام البر أنك لا تسميه باسمه.
قال: ولا تمش أمامه.
فانظر كيف وصلوا إلى البر، يقول: إذا مشيت فامش خلفه، تواضعاً واحترماً ومن خفض الجناح بالذل له.
قال: ولا تجلس قبله.
إذا دخلت في مجلس وهو قائم فقم معه، ولا تجلس في مجلس قبله، انظروا كيف وصلوا إلى البر.
وهذا رجل -يا عبد الله- لا يصعد إلى الطابق الأعلى إذا كانت أمه في الطابق الأسفل، يقول: كيف أصعد على طابق وأمي تحتي، فهو يعتبر هذا من العقوق.
وذاك رجل لا يأكل مع أمه في صحن واحد، فيُسأل: لم يا فلان لا تأكل مع أمك في صحن واحد؟ فيقول: أخاف أن تمتد يدي إلى لقمة وأمي تنظر إليها، أخاف أن آكل لقمة وأمي قد اشتهتها.
انظر كيف وصلوا إلى البر، وانظر كيف أصبح الناس هذه الأيام في العقوق.
ويأتي رجل فيبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، فيقول له: (كيف تركت أبويك؟ فيقول: تركتهما يبكيان، فيقول له: ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما).
ويأتي رجل يريد الجهاد فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألك أم؟ فيقول: نعم.
قال: أتريد الأجر والمثوبة من الله؟ قال: نعم.
قال: الزم قدمها فثم الجنة).
ولنرجع إلى البيوت -يا عباد الله- فلنلزم أقدامهن، فهناك الجنة، وهناك الروح والريحان، وهناك الجنان، وهنالك الأنهار، وتلك هي القصور، فباب الجنة -يا عبد الله- عند قدم أمك؛ فكيف ضيعت ذلك الباب؟ وكيف فرطت في الجنة وأبوابها؟
واسمع إلى هذا العاق، هذا الرجل العاق كيف وصل به العقوق إلى هذه الدرجة، فهو يضرب به المثل، واسمه منازل، وهذا الرجل كان فاجراً عاصياً عاقاً لأبيه، أتاه أبوه يوماً من الأيام، فأمره بالطاعة، وأمره بالإحسان، وأمره بالاستجابة لله جلَّ وعلا، فهل تعرف ماذا فعل؟ لطم أباه على وجهه، فذهب أبوه يبكي، وقال: والله! لأحجن إلى بيت الله الحرام وأدعو عليه هناك، فحج الأب إلى بيت الله الحرام، وتعلق بأستار الكعبة، ثم رفع يديه، فقال:
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا أرض المهامه من قرب ومن بعد
إني أتيتك يا من لا يخيب من يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد
هذا منازل لا يرتد عن عققي فخذ بحقي يا رحمان من ولدي
وشل منه بحول منك جانبه يا من تقدس لم يولد ولم يلد
فما أنزل الأب يديه إلا وقد شل الله نصف جسده، وأصبح مشلولاً إلى أن مات: (ثلاث دعوات مستجابات -لا شك فيهن- منها: دعوة الوالد على ولده).
إذا أردت الدعوة يا عبد الله، فاذهب إلى أمك، واذهب إلى أبيك، وسلهما دعوة صالحة، وسلهما دعوة خالصة.
واسمع إلى العاق، كيف يصفه الله جلا وعلا: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الأحقاف:١٧] يا بني صلِّ يا بني اذهب إلى المسجد يا بني اترك الفساد يا بني اترك المعاصي يا بني اترك هؤلاء الصحبة يا بني لا تنفعك هذه الأغاني فيرد عليهما: {أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف:١٧] أتعرف ما عقوبته؟ {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [الأحقاف:١٨].
اسمع إلى هذا الرجل الذي ملَّ والده، وقد أحسن إليه وبره لكن طال عليه الأمر وشق عليه العمل، وكبر أبوه فتأفف من أبيه، وكم نسمع هذه الأيام -والعياذ بالله- من رجل يُسأل: من هذا؟ فيستحي أن يقول: هذا أبي، فيقول: هذا السائق، وكم سمعنا من فتاة يُقال لها: من هذه؟ فتستحي فتقول: هذه الخادمة.
أو هذه المربية.
أو هذه الغسالة.
أف لهذه الكلمات، وتعس أولئك الذين يستحون أن يقول أحدهم: هذا أبي.
وتستحي أن تقول: هذه أمي.
ولا يدعوه إلى وليمة، ولا يدعوه إلى وجبة، يستحي أن يراه أصحابه، كم وكم من العاقين من أمثال هؤلاء.