فهذه قصة يرويها أحد بائعي المجوهرات، يقول: دخل عليَّ في المحل رجل ومعه زوجته، وخلفه أمه العجوز تحمل ولده الصغير، أربعة دخلوا في المحل، يقول: وأخذت زوجته تشتري من المحل، وتشتري من الذهب، وتأخذ من المجوهرات، ثم قال له هذا الرجل للبائع: كم حسابك؟ فقال له -وأنا أخبركم بالعملة التي ذكر بها الشيخ-: عشرون ألف ريال ومائة، فقال هذا الرجل: ومن أين جاءت هذه المائة؟ نحن حسبناها عشرين ألف، من أين هذه المائة ريال؟ من أين جاءت؟ قال: أمك العجوز اشترت خاتماً بمائة ريال، قال: أين هذا الخاتم؟ قال: هو ذا، فأخذ ابنها الخاتم ثم رماه إلى البائع، وقال: العجائز ليس لهن الذهب، ثم لما سمعت العجوز تلك الكلمات، بكت وذهبت إلى السيارة، فقالت زوجته: يا فلان! ماذا فعلت؟ لعلها لا تحمل ابنك بعد هذا.
لعلها لا تحمل لنا الابن، كأنها أصبحت خادمة، فعاتبه بائع المجوهرات، ثم ذهب إلى السيارة، وقال لأمه: خذي الخاتم إن كنت تريدين، خذي هذا الذهب إن أردتيه، فقالت أمه: لا والله لا أريد الذهب، ولا أريد الخاتم، ولكني أردت أن أفرح بالعيد كما يفرح الناس، فقتلت سعادتي فسامحك الله، فسامحك الله:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[الإسراء:٢٣] فبعد التوحيد والعبادة، ماذا يا رب:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ}[الإسراء:٢٣] لأن وقت الكبر أحوج ما يكونان إلى الأبناء، إلى الولد.
يا عبد الله! هذا وقت الحاجة، وهنا ترد الجميل، وهنا تحسن إليهما كما أحسنا إليك:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء:٢٣] هل سمعت بكلمة أصغر من أف؟ إنك تستجيب ولكن بتأفف، تقول لك أمك: افعل، تفعل ولكنك متأفف، فهذا عقوق، وهذه كبيرة من الكبائر:{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء:٢٣] أي: أنك تشير بيديك إشارة، كأنك متضايق منهما، فتستجيب ولكن لا ترد عليهما بالكلام، ولكنها إشارة تدل على أنك تنهرهما:{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}[الإسراء:٢٣ - ٢٤].
وكم وكم يا عبد الله من الرجال في هذه الأيام يقدمون الزوجة على الأم! يأتي إلى البيت بهدية، وتنظر الأم وترى بعينيها، لمن هذه الهدية؟ إنها للزوجة، يدخل الغرفة ويغلق الباب فيعطيها لزوجته، أين حق الأم؟ نسي الأم، فما تذكرها، يشتري لزوجته الملابس، ويسكنها أفخم الأثاث، ويلبسها أغلى الذهب والمجوهرات، ولكن أين أمه؟ لقد نسيها، منذ متى عرفت زوجتك يا عبد الله؟! كم أحسنت إليك الزوجة؟!
إن أمك قبل أن توجد على وجه الأرض كانت تحسن إليك، وكانت ترأف بك وكانت ترحمك وتشقى لأجلك قبل أن تنزل على وجه الأرض، أنسيتها -يا عبد الله- حينما تزوجت ولم تذكر حقها؟!
يا عبد الله! كم وكم من الرجال من يأخذ زوجته في سفر، وفي رحلة، وفي نزهة، ولا يكلف نفسه أن يقول لأمه: أتريدين الذهاب معنا؟ هلا سافرت معنا! فتجده لا يريدها.
يقول: الأم تضايقني، ولا تجعلني أرتاح مع زوجتي.
يقول ابن عباس رضي الله عنه:[إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله من بر الوالدة] يقول: ما في الدنيا عمل أكثر قربة إلى الله من بر الوالدة: (الزم قدميها فثم الجنة).