للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السعادة الحقيقية]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

ثم أما بعد:

فهذا المجلس لعلك تجلسه يوم القيامة في الجنة، في روضةٍ من رياض الجنة، فإياك إياك والملل! وإياك إياك والسآمة! فإن هذا المجلس عظيم! تحضره الملائكة، بل وتحفه إلى السماء الدنيا، ويختم هذا المجلس بـ (قوموا مغفوراً لكم؛ قد بُدِّلت سيئاتكم حسنات) فهي دقائق معدودة، تُمحى بها كثير من السيئات، فتحمل وتصبر فإن هذا الصبر له أجرٌ عظيم.

أيها الأخ الكريم! لو سألت الناس جميعاً ماذا تطلبون من الدنيا؟

وماذا تريدون؟

وما هي أغلى أمنية عندك في هذه الدنيا؟

أغلب الناس وكل واحدٍ منهم سوف يقول: أريد أن أعيش سعيداً مرتاحاً مطمئناً، أبحث عن شيء يُسمَّى السعادة والراحة، كلّ الناس يلهث ويتعب وراءها، وينصب من أجلها، من أجل أن يعيش سعيداً في هذه الحياة الدنيا.

انظر إلى من يجمع الأموال: الملايين العمارات العقارات والأرصدة، لا يعدها ولا يستطيع حسابها، هل حصل على السعادة؟!

سله! واجلس معه اجلس مع أولئك الذين يتمتعون بالغناء والطرب منذ الصباح إلى المساء ليلهم طرب نهارهم طرب أغاني وموسيقى ومعازف، سلهم! هل حصلتم على السعادة؟! كيف سوف يجيبونك؟

سل أولئك الذين يبحثون ويطلبون الشهرة والسمعة بين الناس، يتمنى يوماً من الأيام أن يظهر على صفحات الجرائد فيقال: النجم، أو المطرب، أو الممثل فلان الفلاني، هذه غايته وأمنيته، وبعد أن يحصل عليها سله! هل وجدت السعادة؟!

هل وجدت راحة البال؟!

كلا وربي! إن السعادة لا توجد إلا في شيء واحد وهو طاعة الله جلَّ وعلا {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا} [طه:١٢٤] ويقول ربنا: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] يقول الله: كل من أعرض عن ذكري وعن طاعتي عن القرآن عن المساجد، فحياته وعيشته ودنياه كلها ظنكٌ في ظنك {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:١٢٤ - ١٢٥] يا رب! كنت في الدنيا أبصر وأرى، فلم حشرتني؟

الجواب

{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٦] كذلك في الدنيا ألا تذكر ذلك المسجد في ذلك المكان بعد صلاة المغرب لما جلست واستمعت إلى آياتي لكنك نسيت؟

أتذكر تلك الخطبة -خطبة الجمعة- التي جلست فيها، واستمعت، وأنصت، وعاهدت ربك ثم نسيت؟

أتذكر ذلك الشريط الذي استمعت إليه، وعاهدت ربك بالتوبة، وما هي إلا أيام ونسيت؟ {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٦].

عبد الله: من الناس من تصل به الكآبة والحزن والضيق والهم في الدنيا، وعنده ملايين عنده أرصدة عنده كلما يريده من الدنيا، ولكنه الحزن والضيق، أي ضيق؟!

ضيق الصدر {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] فمن شدة الضيق يجلس مع أصحابه في مجلس في ليلة حمراء، يتعاطى بعض الحبوب، جلست معه يوماً من الأيام، فسألته! لمَ تتعاطاها؟

فقال لي: لأنسى تلك الهموم والأحزان، ولأشرح الصدر شيئاً ما، ولأعيش في أوهام أبتعد بها عن هذه الدنيا الكئيبة، وعن هذه الحياة المظلمة، وعن هذه العيشة الضيقة، بتلك الحبوب!!

إنه مسكين، حبة بعد أخرى، ثم ثالثة، ثم رابعة، ثم يشعر بالألم، ثم لا يتحمل يوماً إلا ويتعاطاها، ثم حياة كئيبة لا يعرف زوجاً، ولا بنتاً، ولا أماً، ولا أباً، ليس في قلبه أية رحمة، يقتل من يجد لأجل تلك الحبوب يسرق ما يجد لأجل تلك الحبوب! ثم أين مصيره؟

جرعة زائدة في ليلة سوداء مظلمة مع أصحابه الأشقياء أخذها ليتمتع بها ولينسى همه؛ فإذا به يُعالج سكرات الموت، ويستنجد بأصحابه! أليس منكم راق؟ أليس منكم طبيب؟ أنقذوني! أرجعوا الروح فإني أحس بها تخرج من رجليَّ، أتعرف ما السبب؟

أخذ جرعة زائدة فإذا بهم يهجمون عليه لينقذوه ولينجدوه، كيف؟

يقطعون شرايينه وأوصاله يمزقون جلده لينزف الدم من يديه ومن رجليه طلباً لنجاته، ولكن هيهات هيهات! بكى صاحبه استنجد أخوه، وجاءوا بالطبيب، ولكن لا مناص؛ فإذا به يُفارق الحياة الدنيا، ثم يُوضع في كيسٍ للقمامة، ثم يُرمى في إحدى الزبالات، ولم يدرِ به أحد، ولم يشعر به إنسان، غادر الدنيا ولم يصل على جسده أحد، ولم يطلب له الرحمة أحد، ولم يستغيث له بالمغفرة أحدٌ من الناس، أي عيشةٍ تلك؟! {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤].

ألم تسمع بذلك الذي جمع ملايين الدنانير، ملايين ومليارات، جمعها بهمٍ وغم، وتعب ونصب، ثم هو بعد هذا يتعب في حفظها، ويتعب في نمائها، ويهتم لحفظها حتى بلغ به الكبر عتيا، ثم ماذا؟

ثم أولاده وفلذات أكباده يترقبونه متى يُفارق الدنيا؟

ومتى يترك لنا هذه الأموال؟

بنته تعد الأيام عداً لموته، وولده يتربص به لوفاته، أهله أقرباؤه يتقربون ويتزلفون إليه ليس لأجله بل لأمواله، أيُّ حياةٍ تلك؟! وأي سعادة أرادها؟!