يقول ابن عباس رضي الله عنهما عندما قرأ قول الله وبكى:{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً}[مريم:٨٤]: [آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك]{فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً}[مريم:٨٤].
عبد الله! قبل أن أختم حديثي معك، إياك إياك أن تحسن الظن بنفسك، وإياك إياك أن تقول: أصبت الفردوس الأعلى، أو نجوت من النار.
فهذا عمر كان يخاف على نفسه النفاق، وهذا عمر بن عبد العزيز كان يبكي عندما يمر بالقبور وينظر إليها.
وهذا أبو بكر لما رأى الطير قال:[يا ليتني كنت طيراً مثل هذا، يموت ولا حساب ولا عذاب].
وهذا عثمان الذي اشترى الجنة ثلاث مرات بماله، يقول:[والله لو كنت بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيهما أصير لتمنيت أن أكون رماداً].
أما أبو عبد الله محمد بن المنكدر فقد بكى حتى أشفق عليه أهله فقالوا له: لمَ تبكي يا أبا عبد الله؛ أمات عليك أحد؟ أقتلت نفساً؟ بكى، ولم يجبهم بسبب بكائه فأرسلوا إلى صاحبه أبي حازم، فقالوا له: إن صاحبك أهلك نفسه بالبكاء؛ فأتِ إليه وخفف عنه، فجاءه وقال له: يا أبا عبد الله! ما الذي يبكيك؟! قال له: يا أبا حازم! يبكيني قول الله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ}[الزمر:٤٧] كان يحتسب أنه من أهل الخير، ولكن للأسف؛ رياءٌ في رياء، ولكن للأسف؛ ملئ القلب بالنفاق، ولكن للأسف كانت عنده معاص يصر عليها، فختم الله له حياته بها.
نعم ارج الله ولا تيأس من رحمته، ولكن اندم على ما مضى، واعزم على ألا تعود إلى حياتك الماضية، وقل:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:٨٤] اقدم إلى الله جل وعلا، وتب إليه ولتدمع العينان.
عبد الله! إلى متى وأنت تصر على المعاصي والذنوب؟ إلى متى وأنت تقول: إن ربي غفورٌ رحيم {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}[الحديد:١٦].
إلى متى -يا أخي الكريم- تسمع الأذان وتولي؟ إلى متى -يا عبد الله- تقوم من الفراش وتعلم أن الفجر قد أذن وحل، ثم ترجع إلى الفراش وتنام؟! إلى متى -يا عبد الله- تتظاهر بالصلاح، ثم إذا خلوت بمحارم الله انتهكتها، وتصر ولا تندم، ولا ترجع إلى الله جل وعلا.
إلى متى يا عبد الله؟ إلى متى تتساهل بالصغائر حتى وقعت في الكبائر؟ إلى متى يا عبد الله؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر:١٨].